الكبير.. كبير حين يتقدّم الكبار للصفح والعفو كتب: الصافي سالم

في زمنٍ تتزاحم فيه الأخبار الصاخبة، وتحت حرارة السجالات، يظلّ السودان وطنًا يعرف كيف يرتّب خلافاته، ويحوّل ضجيجها إلى حكمة، ويجعل من الخصومة جسرًا للصلح. فالصلح خير الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وهو ما يليق بالكبار حين يلتقون على كلمةٍ سواء. بالأمس، جسّد لقاء الإخاء بين والي ولاية البحر الأحمر الفريق مصطفى محمد نور والصحفي الأستاذ عبد الماجد عبد الحميد مثالًا مختلفًا في ثقافة إدارة الخلاف. فقد طويا صفحة التباين، وكتبا بأيديهما فصلًا جديدًا عنوانه التصافي والاحترام، وتغليب المصلحة العامة. لأن الرأي قد يختلف، لكن الوطن لا يحتمل الانقسام.ظلّ الرجلان كلاهما كبيرٌ في موقعه، وقامةٌ في تأثيره. يؤكّدان أن الاختلاف في السودان ليس عيبًا، بل ميزة، بل هو جزءٌ من تكوين مجتمعٍ تتباين فيه الأصوات، وتتعدّد فيه الزوايا، لتصنع في النهاية مشهدًا أكثر اكتمالًا. نعم.. الصلح خير، والوالي كان واليًا للشعب السوداني حين اشتدّت الحرب، وقد كانت عروس البحر الأحمر ملجأً دافئًا. فكان الوالي وشعب بورتسودان خير مستضيف لكل أهل السودان.أما أخينا وكبيرنا الصحفي الأستاذ عبد الماجد، فقد كان قلمًا للناس لا منصة صراع. ولذلك جاء الصلح رسالةً للعموم، بأن ما بين الكبار من خلاف مهما علا سقفه، يمكن أن ينتهي بحوارٍ يُطفئ النيران، ويطوي المسافات بالاحترام. ولربما اختصر المشهد كل ما نحتاج قوله: أن الكبير كبير في خصومته حين يقول رأيه بشجاعة، وكبيرٌ أكبر حين يعود للحقّ ويقدم للصلح والعفو والسلام. وإذا كانت قاعدة البشر أن في اختلافهم رحمة، فإن نخبتنا السودانية رغم عُنف تباينها أحيانًا تملك قدرةً فطرية على العودة للمنطقة الوسطى، حيث تقف الحكمة مبتسمةً في وجه العناد، وتقول: سلامًا على من اتّبع الصلح.

إنّ القول بأن في اختلاف النخب رحمة هو قولٌ صحيح، لكن الأصحّ منه أن رحمة الناس لا تتحقق في الاختلاف وحده، بل في كيفية إدارته وتحويله إلى صلح. وهذا ما فعله قائدنا في ولاية البحر الأحمر وصانع الكلمة حبينا مجيدي في بورتسودان، ليعلّما الجميع أن الرحمة لا تُستولد من السجال، إنما من السلام الذي يليه.وكانت مدينتنا وشعبها، ووسطها الإعلامي، هي الرابح الأكبر في هذا الصلح، لتؤكّد من جديد أن السودان باقٍ بأهله، ومتماسكٌ بأصواته، وقويٌّ حين ينتصر للسلام. الصلح ليس بيانًا يُكتب، بل موقفٌ يُرى، وأمس رأينا الموقف.

Exit mobile version