☘️🌹☘️
يأتي العيد الحادي والسبعون للشرطة السودانية هذا العام تحت شعار (نُصرة وعزة، وأمن وأمان) ، شعار يلخص رسالة رجال الشرطة عبر عقود طويلة من العمل الوطني ، ويكتسب هذا العام معنى أعمق في ظل التحديات التي تعيشها البلاد خلال حرب الكرامة ، وما قدمته الشرطة من تضحيات وشهداء شاركوا في صون الوطن وحماية المواطن ، مثبتين دوراً تاريخياً في مرحلة مفصلية ستظل محفورة في ذاكرة الأمة السودانية .
على الرغم مما تعرضت له الشرطة خلال السنوات الست الماضية من تجريف مؤسسي ومحاولات واضحة لإضعاف بنيتها وطمس دورها ، كادت أن تفقد هيبتها لولا ثبات رجالها وإيمانهم برسالة مؤسستهم ، ولن ننسى أبداً الشعار الذي كان يرفعه شذاذ آفاق المرحلة : (كنداكة جات ، بوليس جرى) ، ذكريات مؤلمة ومؤسفة ، فقد تجاوزت الشرطة مرحلة بالغة الصعوبة، دفعت فيها أثماناً باهظة، وشهدت خلالها إزاحة عدد من أكفأ كوادرها من مناصبهم ، لكنها تمسكت بموقعها الوطني واستعادت حضورها في ظرف دقيق ، إدراكاً منها أن أمن البلاد يبدأ من استقرار مؤسساتها الشرطية .
وخلال الحرب قدمت الشرطة شهداء من الضباط وضباط الصف والجنود الذين وقفوا في الخطوط الأمامية لحماية المواطنين وتأمين المعابر والطرق والممتلكات. فلم يكن دورها ثانوياً كما يعتقد البعض ، فقد تصدت للجريمة والانفلات بكل قوة وحسم ، وبسطت هيبة الدولة في المناطق الآمنة ، مما جعل الشعب يحتفظ بمواقف لها مكانها في سجل الفخر الوطني .
وتظهر بصمة الشرطة بوضوح في إعادة فرض هيبة الدولة بالمناطق المحررة والمستقرة ، إذ أدت مهامها في ظروف قاسية ، وأعادت للمواطن ثقته عبر وجودها المستمر ودورياتها وضبطها للجريمة والمخالفات ، رغم شحّ الإمكانيات .
وننتظر من الشرطة اليوم استكمال إحدى أهم المهام التي تتمثل في إسترداد ممتلكات المواطنين المنهوبة قدر المستطاع ، بإعتبارها جزءاً مهماً من إعادة الاستقرار النفسي لشعب دفع ثمناً باهظاً وصبر صبراً عظيماً .
ومن أكبر إنجازات الشرطة التي يجب أن نقف عندها وقفة فخر وتقدير واحترام ، والتي حسمت نتيجة الحرب لصالح الدولة السودانية هي إسترداد السجل المدني كاملاً رغم الظروف القاسية ، والتعقيدات الهائلة التي أحاطت بالمهمة ، فقد عمل القائمون عليه بلا إمكانيات تُذكر ، وفي ظل غياب وسائل التخزين الكافية ، وتذبذب التيار الكهربائي الذي كان يتلف كل المعلومات التي يتم تخزينها ، فاضطروا إلى إبتكار حلول فنية دقيقة ، وإستفادوا من علاقات وطنية خالصة وخاصة بصورة شخصية من خارج البلاد لتعويض النقص اللوجستي ، ورغم كل هذه التحديات الجسام ، واصلوا عملهم بإصرار وهم يخوضون سباقاً مع الزمن لمنع ضياع السجل ، وبفضل عزيمتهم وتوفيق الله ، تمت إستعادته بكامل محتواه ، محافظاً على هوية السودانيين من خطر محقق كان من أولويات هذه المؤامرة إتلافه ، ولو لم تحقق الشرطة إنجازاً غير هذا لكفاها فخراً ، وكان بمثابة بث الحياة في جسد ميت ، وسيسجل التاريخ ذلك في صفحاته بأحرف من نور ، لما يمثله السجل المدني من ركيزة أساسية لهوية الأمة السودانية .
كما واصل العاملون في إدارات الجوازات المختلفة أداء دورهم بكل تفاني وإخلاص لتسهيل حركة السفر رغم شح الموارد ، فقد حيث سعت الشرطة لإستيراد وتشغيل مصنع الجوازات بورتسودان ، ثم تم إنشاء مصنع آخر في مدينة عطبرة لتقريب الخدمة إلى المواطنين وتخفيف الضغط على المركز .
وفي جانب آخر ، أدت شرطة الدفاع المدني واحدة من أصعب المهام الإنسانية خلال الحرب ، إذ تولت نقل الجثامين التي تم دفنها وسط الأحياء ، وفي المنازل ، والمساجد والميادين في الخرطوم بالتعاون مع وزارة الصحة ونفر من المتطوعين ، محافظةً على كرامة الموتى ، وحاميةً للصحة العامة .
كما واصلت شرطة المرور تقديم خدماتها في الولايات الآمنة عبر فتح نوافذ خاصة لتجديد التراخيص في الولايات الآمنة ، خدمةً للمواطنين في المناطق التي كانت تقع تحت سيطرة المليشيا ، حتى لا تتوقف دورة حياتهم وتعاملاتهم اليومية .
ورغم قلة الإمكانيات وتشتت الجهود ، ظلت الشرطة تلاحق الجريمة وتتابع البلاغات وتعمل على حفظ الأمن في أصعب ظروف يمكن أن يمر بها جهاز نظامي .
هذه هي الشرطة السودانية ، وهذا هو عيدها الذي تستحق فيه نساؤها ورجالها أطيب التهاني ، وهم يرممون البيت السوداني ، ويقفون سداً منيعاً أمام الفوضى ، ويواصلون أداء واجبهم بإيمان راسخ بأن السودان قادر على النهوض ما دامت مؤسساته صامدة ومستمرّة .
إن عيد الشرطة هذا العام هو وقفة تأمل في حجم ما تم بذله على الرغم من قهر التحديات ، ورسالتنا للدولة حكومةً وشعباً بضرورة دعم الشرطة وتمكينها حتى تستعيد مكانتها كاملة ، فهي الركيزة الأقوى في إستقرار المجتمع ، ومؤسسات الدولة .
التحية لكل من حمل شرف الانتماء لهذه المؤسسة العريقة ، والتحية لشهداء الشرطة ، والتحية لمن لا يزالون يؤدون واجبهم الوطني في صمت ، والتحية لمعاشي الشرطة ، فهؤلاء هم الرجال الذين جعلوا من المستحيل ممكناً ، ليبقى الوطن آمناً مستقراً .
نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين
