
*همس الحروف*
*دخول قوات العمل الخاص وهيئة العمليات منزل المأفون حميدتي تمثل رمزية للثأر الشعبي*
✍️ *د. الباقر عبد القيوم علي*
إن دخول قوات العمل الخاص و هيئة العمليات إلى منزل المأفون قائد المليشيا بجبرة ليس حدثاً عابراً أو امراً عادياً ، لأنه يحمل في طياته العديد من الرسائل على كل الأصعدة ، العسكرية ، و السياسية ، و الاجتماعية ، و قد أشفى هذا الحدث غليل الشعب السوداني باكمله ، و لا إستطيع الحديث عن فرحتنا في هذه اللحظة ، لأننا فقدنا التركيز ، فكل ما نراه أو نسمعه أو نستنشقه يعبر عن المعاناة التي حرقت الوطن ، و شعبه ، بدون رحمة ، فكيف لي الحديث عن موضوع وجوديتنا الذي تمت إزاحتنا منها بكل قسوة ، و انسانتنا التي داسها هذا المأفون و مليشيته تحت اقدامهم ، و حرق بباروده ذكرياتنا و أحلام أولادنا .
هذه العملية لم تكن مجرد اقتحام لمكان شخصي عادي أو حتى منزل قائد عسكري ، بل كان هذا الحدث يمثل خطوة رمزية كبيرة في سياق صراع طويل إمتد لعامين مع هذه المليشيا التي قهرت المواطنين بكل وسائل العنف و الإذلال و هجرتهم قسراً و جبراً فعاثوا فينا فساداً و ظلماً .
منزل المأفون بحي جبرة ، يمثل أحد رموز القوة الفاسدة التي انتهكت الحرمات بكل خطوطها الحمراء ، فكانت منبت للفساد والاستبداد ، و استهدفت بصورة مباشرة المواطنين و أعيانهم ، و أرتكبت كل أنواع الانتهاكات و الفظائع بحق الأبرياء العزل ، مما جعل صورة هذا الرجل في نظر الشعب بأنه أسوأ رجل يمر على السودان منذ فجر تاريخه ، فلم يكن هذا الاقتحام موضوع نمر عليه مرور الكرام ، بل كان بمثابة ثأر شعبي من شخصية إستهدفت كل مواطن سوداني بصورة تختلف عن الآخر .
دخول هذه القوات إلى هذا المنزل له تأثير عاطفي عميق على كل السودانيين ، فقد شعروا بأن هذه اللحظة كانت بمثابة تحطيم لرمز من رموز القهر و الظلم و الإستبداد في البلاد ، الذين عانوا أشد أنواع المعاناة بدون ذنب ، و لذلك نجد أن هذه اللحظة قد لاقت استحساناً واسعاً في نفوس الكثيرين من افراد هذا الشعب ، الذين رأوا فيها انتصاراً معنوياً للحق والمساواة ، و هو خطوة في الاتجاه الصحيح نحو محاسبة الجناة و إعادة العدالة إلى الميدان .
على الرغم الأحزان التي ملأت صدورنا ، علاوة على عظم حجم فقدنا ، إلا أن هذه العملية النوعية التي قام قوات العمل الخاص و هيئة العمليات حملت إلينا الفرح ، و أعادت لنا جزء من التوازن في قياسات الأبعاد السياسية و الاجتماعية ، و كانت بمثابة دفعة معنوية قوية لها ما بعدها في مسار الأحداث بالسودان ، لأننا أحسسنا بأنه شرب من نفس الكأس الذي سقى منه جميع أفراد الشعب ، و لذلك عمت الفرحة الجميع على الرغم من انها خافتة ، و متدثرة بثياب الأحزان ، فهذه الحظة تمثل نقطة فارقة في تاريخ الشعب السوداني ، الذي يسعى إلى إعادة ما دمرة المأفون و قواته ، و يبني بعد هذا الخراب دولة خالية من الظلم والاستبداد ، و يعم السلام و الامن و الأمان ، و يطغى صوت المواطن على صوت السلاح .
و الله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل