مساعد النويري ليس بالموت وحده يرحل الكبار

مساعد النويري
ليس بالموت وحده يرحل الكبار
إذا رحل الكبار، اهتزت الأرض تحت خطاهم، واختل ميزان الأيام برحيلهم. لكنَّ الرحيل ليس موت الجسد وحده… فبعض الرحيل أشد وجعًا، وأعمق أثرًا. هو ذاك الابتعاد الصامت حين يُسَدُّ باب الحكمة، وتُغلَق نافذة الرأي، ويُصبح الصوت الناصح صدى لا يُسمع، ورأيًا لا يُؤبه له.
“وما أكثر الأصوات حين تعدّها
لكنها في النصح قلّ نداؤها”
رحل الكابتن عادل المفتي… ولم يرحل بجسده، بل بروحه المتعبة، وحكمته التي لم تجد أذنًا صاغية ولا عقلًا واعيًا. هو الرحيل الصامت لمن أوجعه أن يرى دربًا يعرفه وضيّقوه، وطريقًا رأى الخير فيه فعكّروه.
أتعرفون من هو عادل المفتي؟ هو رجلٌ اجتمعت فيه صفات الفرسان وحكمة الشيوخ، رجل هادئ كالبحر، محترم كالوقار نفسه، منضبط كالعقيدة في قلب المؤمن، ثابت كالجبل، لكنه حين رأى الأبواب موصدة والنصح مردودًا، رحل في صمت العارفين.

“إذا لم تجد في الناس من يصغي لحكمتك
فالصمت أولى والرحيل أكرم”
كأنّما نادى قلبه صوت الحكمة الذي صدح به الإمام الشافعي:
إذا لم يكن للمرء في دولةِ الهوى
نصيبٌ ولا في مجلس الجهلِ مَقعدُ
ففِرَّ بدينِكَ مِنْ دِيَارٍ تُهَانُ بِهَا
وابْحَثْ عنِ العِزَّةِ في أُفُقٍ تَصْعَدُ
رحيله ليس نقصًا في قيمته، بل هو دليل على عِظمها… فكم من حكماء انسحبوا حين غابت الحكمة، وكم من شجعان آثروا الصمت حين صار الكلام لغوًا.
تذكرتُ قول المتنبي:
إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ
فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ
وربما كان عادل المفتي من أولئك الذين لا يرضون إلا بالنجوم، فإن رأى السحب تعتمُ الأفق، والرياح تعصفُ بسفينة الحكمة، اختار أن يغادر في سكينة، تاركًا وراءه أثرًا لا يُمحى، وذكرى لا تُنسى.
“وكأن الرحيل قرارُ العظماء
حين يضيقُ الأفقُ على الرأي النبيل”
هو درسٌ لحزب الأمة القومي… أن فقدان الكبار ليس مجرد خسارة اسم أو غياب شخص، بل هو فقدان لبوصلة الرأي الصائب، وانطفاء نور الفكر السديد. واليوم أكثر ما يحتاج الحزب إلى أمثال عادل المفتي… إلى نشاطه وفكره وحكمته، لكنه رحل… رحل لأنَّ منابر الصواب لم تعد تُنصت.
ألا تسمعون في رحيله صدى الحكيم الذي قال:
سكتُّ فغرّوا بي فظنّوا أنني
عييتُ عن النطقِ وما بيَ عيُّ
لكنّه لم يعجز عن النطق… بل اختار الصمت حين صار الكلام زبدًا لا ينفع، واختار الابتعاد حين أصبح القرب عبئًا على الفكر الصادق.
فيا حزب الأمة… انتبهوا قبل أن يرحل آخر الكبار، قبل أن يغادر من بقيت لهم الحكمة والبصيرة. فإن رحيلهم ليس موتًا، بل موتكم أنتم بفقدهم.
“وربَّ صمتٍ كان أبلغَ من كلام
وربَّ رحيلٍ كان أعمقَ من بقاء”
رحم الله الكبار الأحياء والأموات… وجعلنا ممّن ينصتون لصوت الحكمة قبل أن يُطبق الصمت أبوابه.

الحاكم نيوز وجهة جديدة في عالم الصحافة الرقمية المتطورة... سرعة اكتر مصداقية اكتر دقة وانتشار للخبر والإعلان ..™

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى