قد يختلف الناس في تقدير الوضع الأمني في عاصمة البلاد لجهة أن الأمن لا يعني توقف العمليات العسكرية فحسب ، الأمن هو إنحسار الجريمة أو قلتها ، الأمن هو توفر الغذاء والدواء والمعينات الضرورية للحياة ، الأمن هو بيئة نظيفة من مخلفات الحرب ، الأمن هو كثير من قليل يذكر ،
القياس العام لوجود الحياة في الخرطوم بمحلياتها المختلفة يشير إلى أنها موجودة رغم المعاناة ، بل إن الحياة بعاصمة البلاد لم تتوقف أصلا ، في أوج الحرب وانتشار الرصاص الكثيف كانت الحياة موجودة في العاصمة ، إذ لم يغادر الكثيرون منازلهم طيلة عامين من الحرب ،
ولأن حدوث التفلتات وتفشي أشكال من الجريمة بعد الحرب أمر طبيعي كانت الدولة عموما ووزارة الداخلية خاصة واعية بضرورة الانتشار الشرطي في الخرطوم في وقت مبكر ،
مع العلم بأن الشرطة ممثلة في بعض قواتها كانت موجودة حتى قبل إعلان تحرير الخرطوم ، وقوات الإحتياط خير مثال ،
ونعلم يقينا أن هنالك من لم يبرح الخرطوم من رجال الشرطة طيلة فترة الحرب ، وكانوا يؤدون واجبهم في المناطق التي تحت سيطرة قواتنا المسلحة في ظل ظروف بالغة الصعوبة ، ونعلم أن الشرطة قبل إعلان تحرير الخرطوم كانت قد كونت لجنة لحصر خسائرها وبدأت في الترتيبات اللازمة لتطبيع الحياة في العاصمة وإعادة الخدمات الشرطية بشكل كامل بعد دحر المليشيا ،
زيارة وزير الداخلية للخرطوم في الفترة من ١٦ -٢٠ يونيو ، كانت مباركة وتتويج لجهود منسوبي الشرطة والداخلية المتواجدين بها فعلا وإعلان رسمي بأن وزارة الداخلية وقوات الشرطة حاضرة الآن بكامل وحداتها في العاصمة ،
وفي تقديري أن ما اُلتقط من صور لحظة إعلان وزير الداخلية إنتقال كآفة وحداتها للعمل بالخرطوم من داخل مكتبة بالوزارة ينبغي أن تُوضع في مدخل الوزارة بجانب لوحة قائمة وزراء الداخلية والمدراء العامين الذين تعاقبواعلى الوزارة وقيادة الشرطة ، فاللحظة تأريخية بكل المعاني وكانت حقا إيذانا ببداية عودة الحياة ،
قوات الدفاع المدني هي مقدمة وفود الشرطة بعد الحرب ، كانت حاضرة باكرا و عملت على تهيئة بيئة العمل لمن رفعوا أعلام بلدانهم من البعثات الدبلوماسية بالخرطوم ، وكنا مرافقين لوزير الداخلية للخرطوم وشاهدانا بأعيننا مايقوم به الدفاع المدني والشرطة المجتمعية وسط الحطام والركام والجثث لتهيئة بيئة العودة للمواطنين ،
وزير الداخلية وأركان حربه من مدراء القوات ومكونات وزارته لم يكونوا في حالة سكون أو إستراحة في بورتسودان ، بل كانوا في حالة تفقد دائم للأوضاع والوقوف على الوضع الأمني ،
في عموم البلاد ،
وإن كنا نصف مرحلة الحرب بالصعبة فإن مرحلة مابعد الحرب هي الأكثر صعوبة ، لجهة التحديات الكبيرة التي تواجه قوات الشرطة للسيطرة على الاوضاع واحلال الأمن والاستقرار وإزالة مخلفات الحرب التي تفوق الوصف والإحصاء وليس من رأى كمن سمع ،
المطلوب الآن أن تضاعف الشرطة والداخلية الجهود ما أمكن لسرعة تطبيع الحياة بالخرطوم مما يشجع على عودة المواطنين،
والمطلوب أن يساند المواطن الشرطة ويساعدها على عدة أوجه فالمسؤولية تكاملية ، والبلاد ستٌبنى وتُعمر بالتكاتف ، بل المطلوب إستنفار المجتمع عامة والشباب خاصة لدعم مجهود الشرطة والداخلية لإجل حياة آمنة ومستقرة في الخرطوم ،
المطلوب إعلام واعي ومدرك لتحديات المرحلة ومطلوباتها ، المطلوب أن تكون أقلامنا الوطنية أكثر دقة وأعلى حسا عند الكتابة في شأن الدولة وسياستها وحراك مؤسساتها في هذه الفترة ، فالشرطة منظومة وطنية خالصة تستحق الدعم والتقدير ،
وإن كان في التصفيق حافزا معنويا فليصفق الشعب السوداني بأكمله لوزارة الداخلية ويدعم خُطاها التي سبقت الجميع نحو العاصمة ، بعثات دبلوماسية وقطاعات حكومية وغيرها وهيئت لهم بيئة العودة ، ولا زالت تعمل وسط نقص الكثير من معينات العمل .
نواصل
حفظ الله البلاد والعباد