لم تكن تصريحات السفير محي الدين سالم، وزير الخارجية والتعاون الدولي، مجرد حديث عابر أو ردّ صحفي معتاد بل كانت رسالة سياسية حاسمة وضعت النقاط على الحروف، وأعادت ضبط بوصلة المشهد الإقليمي تجاه السودان.
ففي لحظة كان البعض يراهن فيها على الضغوط، خرج سالم بتصريحٍ صريح وقوي، جرّد فيه “الرباعية” من أي مظلة شرعية، مؤكداً أنها لم تُشكَّل بأي قرار من مجلس الأمن أو أي منظمة دولية معتبرة، وبالتالي فهي لا تملك الصفة التي تخوّلها التدخل في الشأن السوداني أو تقديم نفسها كوسيط شرعي أو إطار معترف به.بهذا الوضوح واجه الوزير محاولات الالتفاف على المؤسسات الدولية، وأعاد التأكيد على أن السودان يتعامل وفق القانون الدولي، وأن أي جسم لا يستند إلى تفويض أممي أو إقليمي رسمي لا يمكن أن يُلزم الدولة أو يفرض عليها مسارات سياسية مجهولة المصدر.لكن القوة الحقيقية في حديث سالم لم تكن في النقد بل في البديل.فقد كشف الوزير عن أن التنسيق الحقيقي، الفعّال، والمؤثر يجري مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية وهي الدول التي تمتلك الوزن السياسي، والقدرة على دعم استقرار السودان، والخبرة في الملف، إضافة إلى صلاتها المتينة بالحكومة الشرعية.هذا الحديث لم يأتِ من فراغ، فقد مهّد الوزير بهذه التصريحات لمرحلة أكثر توازناً، وفتح الباب لتواصل مباشر بعيد عن الأجسام الموازية، ليتزامن ذلك مع التصريحات الإيجابية الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو: ندعو لتحرك دولي لقطع أي إمدادات أسلحة مليشيا الدعم السريع التي تتحمل مسؤولية التصعيد في السودان وانتهاكاتها الممنهجة مؤكدا دعم واشنطن للحل السياسي واحترام سيادته وبهذا يصبح المشهد أكثر وضوحاً:السودان لم يعد يقبل أن يتحدث الآخرون نيابة عنه.والدبلوماسية السودانية بعد تعيين السفير محي الدين سالم بدأت تُدار بثبات ورؤية، رافعة سقف الخطاب ومثبتة شرعية الدولة أمام المنابر الدولية. تصريح سالم كان صفارة بداية لمرحلة جديدة:
مرحلة لا يساق فيها السودان وراء أجسام بلا سند، بل تتعامل بندّية مع القوى الفاعلة استناداً إلى المصالح المشتركة والاعتراف الدولي.
ومع الإشارات الإيجابية من واشنطن، والدعم المستمر من السعودية ومصر، يتقدم السودان نحو مسار دبلوماسي أكثر قوة ووضوحاً… والأيام القادمة تحمل المزيد.
