منذ الأمس وحتى اليوم ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بأصوات ـ من داخل الوسط الصحفي نفسه تطالب وزير الثقافة والإعلاموالسياحة الأستاذ خالد الإعيسر بتقديم استقالته. أصوات تبدو على السطح وكأنها حريصة على الرجل، لكنها في العمق لا تمت بصلة لمنطق الدولة ولا لقواعد الإصلاح المؤسسي. الإعيسر لم يأتِ إلى الوزارة على ظهر صفقة أو محاصصة، بل جاء بضغط شعبي واسع وبروح توافق وطني، لأن الرجل ـ كما يعرفه الجميع ـ صاحب رصيد ناصع في مواجهة الأزمات، وصوت شجاع وقف في أحلك اللحظات حين غاب الإعلام الرسمي وتشتّت الخطاب الوطني. كان لسان الشعب حين كانت الخرطوم وبعض الوحدات العسكرية محاصرة من قبل المليشيا المتمردة، في وقت لم يكن فيه وزير إعلام ولا منبر رسمي يملأ الفراغ.فكيف يُعقل بعد كل هذا أن يكون “الثمن” هو دفعه للخروج؟إن من يطالبون الوزير بالاستقالة بدعوى حمايته أو “رفع الحرج عنه” يتجاهلون حقيقة بسيطة: الإصلاح المؤسسي لا يتحقق بالانسحاب، بل بالصمود والعمل وتفكيك التشوّهات من الداخل. فإذا كانوا حقاً يثقون في قدراته كما يزعمون، فإن الواجب الوطني والأخلاقي يقتضي دعم استمراره، لا دفعه نحو الباب الخلفي. الإعيسر اليوم يقف في منطقة حساسة؛ بين دولة تحتاج إلى خطاب عقلاني جامع، ومؤسسات إعلامية منهكة تحتاج إلى جراحٍ يعرف موضع الخلل، لا إلى شاهد زور يمرّ عليها مروراً عابراً. والدفع به خارج المنصب الآن لا يخدم إلا من يريدون إعادة إنتاج الفوضى، وإبقاء الإعلام الرسمي ضعيفاً يسهل اختراقه وتوجيهه.ثم إن الإعيسر ـ ورغم الحملات ومحاولات التضييق ـ ما يزال الأكثر قبولاً وشعبية في حكومة الأمل، لأنه الأقرب إلى نبض الناس، والأوضح في التعبير عن همومهم. الشعب لم ينسَ مواقفه، ولن ينسى. سواء بقي أو غادر سيظل بطلاً في نظر الجماهير، لكن المنصب يحتاجه الآن أكثر مما يحتاج هو إلى المنصب.لذلك فإن المنطق الوطني يقول بوضوح: ادعموا الإعيسر ليُكمل مشروع الإصلاح المؤسسي، لا لتدفعوه إلى الاستقالة.فالتاريخ لا يكتب أسماء الهاربين من المعارك، بل الذين يواجهون حتى اللحظة الأخيرة.
لا تدفعوا الإعيسر إلى الباب الخطأ… الإصلاح لا يصنعه الهاربون الصافي سالم

