جلسة غنية بالاستماع للشعر في بيت الخرطوم لشاعرين
بيت الشعر الخرطوم يختتم نشاط العام 2022م بأمسية شعرية
الخرطوم: محمد آدم بركة
على أعتاب خواتيم العام 2022م، وتتويجًا للمضي قدمًا نحو ختام الأمسيات الشعرية لهذا العام، نظم بيت الشعر الخرطوم، اليوم السبت 24 ديسمبر الجاري، أمسية شعرية، بقاعة الشارقة، صدح فيها بروائع القصيد الشاعران: د. محمد عبدالقادر سبيل، د. محمد الفاتح ميرغني، حيث احتفى جمهور الشعر بتجربتيهما الشعرية وتفاعلوا مع قصائدهم التي قدموها خلال الأمسية.
قوافل شعري هدّها الأيْن و الـمـدى
تسائل مسْراها: أمِن هجعة؟ سدى
وعبـقـر راقت للسوابق عـينــــــه
و ضاقت فجاج منه مرعى و مربدا
فلا ساحة فيها أسـيـل يــراعــــــــة
ولا ساعة يجلو انتظاري مــــــوردا
أيصبر حتى يُصدر الجمع كله
قويّ أمـيـن للحوادث يــــــــنــــتـــــدى!
هكذا ابتدر الشاعر محمد الفاتح ميرغني قراءات الأمسية بقصيدته المعنونة بـ(حاسر الرأس و النها) والتي تزخر تراكيبها بشعرية باذخة المفردات وناضرة اللغة، حيث يقول في آخر النص:
وكم أوجـفت منه النواظر بارقــا
و لاذ بشعري مسمعي حين أرعـــدا
أُســــــــلّ على حــدّيه حـتفا و تـارة
أســيـل على خدّيه خفرا تـــــورّدا
و بينهما تعدو ظماء خرائـــــــــــدي
تتيه عتاقي باديات و عـــــــــوّدا
لحوحا على الأعصاب تسأل حيرتي
إلام اجترار الروح يستنزف اليـدا؟
الشاعر محمد الفاتح ميرغني حسن من مواليد منطقة العزازي بولاية الجزيرة، تخرج في كلية الطب جامعة الخرطوم وتخصص في الطب الباطن، وهو من أمهر الاستشاريين في الغدد الصماء و السكري و الاستقلاب ويعمل الآن بمشفى نجران العام الجديد، خلال مسيرته الشعرية حصد عددًا من الجوائز أبرزها: جائزة الشباب الشعراء من وزارة الشباب و الرياضة عام ١٩٨٥م، الجائزة الأولى (إمارة الشعر) لطلاب الجامعات و المعاهد السودانية ١٩٩١م، جائزة مسابقة الشعر بكلية الآداب جامعة الخرطوم ١٩٩٠م، جائزة محلية الخرطوم في شعر مدح الرسول صلى الله عليه و سلم ٢٠٠٩م، إلى جانب مشاركته في عدد من المهرجانات، طبع له ديوانان (قطوف من حروف و حين ارتاد الضفاف) و ديوان قيد الطبع بعنوان (نحيت بعضي جانبا)، فكان مما قرأ..
عقدان من بَرَدِ الثناياعند بَوْح الحُبِّ إذ
يفترُّ ثغرك شقشقهْ. .
عقدان من بلور ضحكتك المُرِنّة تبتغي فرحي و قد
تُغْضي الجفونُ على مِقَهْ. .
عقدان مِن حبّات أدمع فرحتي أيّان عند الباب تلقاني
الكبيرة بالتعاتب مشفقه..:-
(أبتاه رِفقاً قد تفرّى وجهك المنهوك في
شمس النهار المحرقهْ). .
عقدان من حبّات أدمع فرحتي لمّا تُطوِّقُني الصغيرة: (يا أبي
بُشراكَ أين هديّة المتفوِّقه)
أما الدكتور محمد عبد القادر سبيل الذي يطل لأول مرة على منبر بيت الشعر الخرطوم، يعد شاعرًا وباحثًا وصحفيًا، ولد بمنطقة الكرمك عام ١٩٦٢م، عاش مغترباً عن وطنه بالإمارات العربية المتحدة منذ العام ١٩٨٨م، فهنالك أثرى صداقاته وغذى تجربته الشعرية وسط تلاقح التجارب الإبداعية العربية التي تحتضنها وترعاها دولة الامارات. أصدر أربع مجموعات شعرية و هي: عاليًا عاليًا مثل شهيق الحسرة ١٩٩٤م، الهدر ١٩٩٦م، وحدهُ الجبل ١٩٩٩م، درب الأربعين ٢٠٠٢م، كما صدر له هذا العام كتاب بعنوان: مرايا الشعر (في السجايا ومكارم الأخلاق) وهو عبارة عن مدونة واسعة ترصد وتحتفي بنماذج من الشعر العربي، تحث على قيم النبل وكرم السجايا منذ عنترة حتى جيل الستينات.
استهل قراءاته في الأمسية بقصيدة من قصائد التفعيلة الحرة الموسومة بـ(إذ أعود إلى الأرخبيل) حيث يقول في مطلعها:
أعودُ إذ العود أحمد واللهفاتُ
أعود وذا العود يبدو أقل رنينًا
أو العود أعوج شيئًا قليلا
ولكن قلبي دليلي
له سرعة الحب والراية الخفق والباقياتُ
ستسبقني النفس أمارة فيكِ
ولي آهة
ولي ذكريات
وفضلة حزن لعلي نسيت
هنا أو هناك
وحقي أعود، تسابقني دمعة حرة تعرفين
فكم كفكفتها الحياءات يومًا
وكم كبكبتها الحياة
تنوعت قراءاته في الأمسية بين أشكال القصيدة الثلاثة: القصيدة البيتية والتفعيلة الحرة و النثر، يقول في قصيدته (هل للعمر من تال):
يمضي الزمانُ دِراكا للخطوب بنا
وما الحياة سوى دين لآجالِ
تصرم الصحبُ والأحباب من كنفي
وما تغير لي ربي بمثقالِ
من لي سواه على الجُلى وسورتها
مستودع النفس في نكسٍ وفي فالِ
تلك الحظوظ لقى دنيا وزينتها
تفري القلوب بإدبار وإقبالِ
و الشاعر محمد سبيل له مجموعة شعرية تحت الطبع بعنوان ( إذ أعود إلى الأرخبيل)، فاز بجائزة مسابقة دار النشر جامعة الخرطوم في الشعر عام ١٩٨٦م، كما فاز بالجائزة الأولى للشعر في مسابقة نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات عام ١٩٩٢م، في بدايات هذا القرن أسس وترأس الجمعية الثقافية السودانية في أبوظبي، عمل محررا صحافياً في كل من صحف الخليج، البيان وأخبار العرب التي أشرف على قسمها الثقافي بداية الألفية الثالثة، كما عمل مديراً لتحرير مجلة (الامارات غداً) المعنية بصحافة استشراف المستقبل، خاض تجربة النشر فاطلق صحيفة (الآن) السياسية الشاملة في الخرطوم عام ٢٠١١م.
يختتم قصيدته الموسومة بـ(هل للعمر من تال) بـ..
هذي القلوب لها رانٌ وتجليةٌ
وإنني لعلى مائي وصلصالي
ما ضيع الدهرُ مني ما حفظت له
حِفظ الشحيحِ ولي تِبري وغربالي
أستودع الله أيام الصبا وصبىً
هبت شمائله فأستذكر السالي..
أدار منصة الأمسية بالتقديم الشاعر الناقد والروائي عادل سعد يوسف والذي برع بدوره في توزيع وصلات القراءة بين الشاعرين والتعريف بتجاربهم والتطواف حول أثر التجربة الشعرية لكل منهم في المشهد الشعري السوداني والعربي، وقد التقط الجمهور الصورة التذكارية في ختام الأمسية، وحظيت الأمسية بتغطية ومشاركة إعلامية متميزة لبعض وسائل الإعلام من الصحف من بينهم قناة الشارقة، وأعلن البيت عن ختام فعالياته لهذا العام في الأسبوع المقبل بمنبر تراث الأدب.