بقلم : سيد عبد الله جباروف
مشرف القسم العربى فى المجمع التذكارى للإبادة الجماعية فى مدينة قوبا الآذربيجانية
تعتبر الأحداث الواقعة ما بين عامي 1918- 1920، من أهم الأحداث الهامة في تاريخ أذربيجان وشكلت تلك الفترة الزمنية أهم المراحل في تاريخ شعب أذربيجان، سواء ما تحقق خلالها من انجازات، أو ما وقع خلالها من أحداث مأساوية، و لا شك أن ذروة هذه الأحداث كانت هي إعلان استقلال جمهورية أذربيجان في 28 مايو 1918، ومن الأحداث التاريخية الهامة التي شهدتها أذربيجان هي تحرير مدينة باكو من قبل جيش القوقاز الإسلامي في 15 سبتمبر 1918، من القوميين الأرمن، ومن ثم انتقلت الحكومة الأذربيجانية إلى عاصمة جمهوريتها باكو، حيث شرعت الحكومة في بناء دولة وطنية، واعترف قيادة جيوش الحلفاء في جنوب القوقاز والحكومة البريطانية بالحكومة الأذربيجانية كسلطة شرعية. وضعت كل هذه الأحداث أسساً قوية لإقامة أول نظام ديمقراطي في الشرق الإسلامي بأثره، وأول دولة قومية للأذربيجانيين، هي جمهورية أذربيجان الديمقراطية. ولكن قبل هذه الأحداث الهامة التي شهدها عام 1918، وقعت علي أراضى أذربيجان العديد من الأحداث الدموية، والتي ارتبطت بذكريات مأساوية فى ذاكرة شعب أذربيجان بأسره، خاصة وأن تلك الأحداث شهدت عمليات تطهير عرقى أدت لظهور مفهوم “الإبادة الجماعية للأذربيجانين” فى تاريخ شعب أذربيجان، فلا شك أن الأحداث المأساوية التي وقعت عام 1918 علي أراضي أذربيجان لها جذورها وأسبابها العميقة فى تاريخ أذربيجان منذ مئات السنين..
تشريد الأذربيجانيين من ديارهم التاريخية وإنشاء ما يزعمه الأرمن – دولة “أرمينيا الكبرى”
لقد شكلت تلك الأحداث جزءاً من خطة وضعها ونفذها القومييون الأرمن ومؤيديهم وأنصارهم لإبادة القومية الأذربيجانية بهدف تقليل عدد السكان الأذربيجانيين المسلمين فى القوقاز. وقد كان الهدف من وراء خطط التطهير العرقي مصادرة أراضي السكان المحليين “الأذربيجانيين” لتحقيق أطماع إقامة دولة “أرمينيا الكبرى” المستقبلية علي مناطق واسعة من أراضى القوقاز، وبالتحديد أراضى أذربيجان.
بدأ القوميون الأرمن منذ أوائل القرن العشرين على طرد الاذربيجانيين طردا مخططا من ديارهم الأصلية وبالتالي تعريضهم للتصفية العرقية والإبادة الجماعية. حيث ارتكب الأرمن خلال عامي 1905-1906 مجازر ضد السكان الاذربيجانيين المسالمين وقتلوهم بلا هوادة وأحرقوا ودمروا المدن والقرى في باكو وكنجه وقره باغ وإيروان وناختشفان وتفليس وزنكزور وقازاخ وغيرها من المناطق. دمّرت الوحدات المسلحة الأرمينية وخرّبت أكثر من 200 منطقة سكنية أذربيجانية في أقضية شوشا وزنكزور وجبرائل، وفي مقاطعتي إيروان وكنجه مما أدى الى تشريد وتهجير عشرات الآلاف من ديارهم الأصلية. قتل الأرمن أكثر من 200 ألف أذربيجاني (أطفال ونساء ومسنون) للقيام بالتطهير العرقي لإفساح الطريق أمام بناء “دولة أرمينيا كبرى” الموعودة لهم من قبل روسيا القيصرية في تلك الأراضي. واستأنف الأرمن المدعومون من قبل القيصرية إبادة الأذربيجانيين إبان سنوات الحرب العالمية الأولى.
ومع انهيار الإمبراطورية القيصرية الروسية عام 1917، بدأت الجماعات المسلحة الأرمينية بمرحلة جديدة من التوسع علي حساب الأراضي الأذربيجانية التاريخية. فقد إستغل الأرمن الفوضى التى جرت فى مختلف أنحاء الإمبراطورية الروسية، ووصول البلاشفة إلى السلطة في مدينة باكو بقيادة الأرمني ستيبان شوميان، وعمل القوميون الأرمن علي تنفيذ مخططاتهم لإقامة “دولتهم” الأرمينية المستقبلية في المناطق الأذربيجانية على أشلاء ضحايا الأذربيجانيين أصحاب الأرض الأصليين، الذين سبق وأن قدموا للأرمن المأوى والمسكن والمساعدات الإنسانية.
السياسة الأرمنية الهادفة الى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الاذربيجانيين
ابتداءا من شهر مارس عام 1918، قامت الجماعات المسلحة الأرمينية بطرد السكان الأذربيجانيين المسالمين بالقوة تارة، وبالترهيب والترويع تارة أخري من مقاطعات جنوب غرب القوقاز “قارص، يريفان، زانجازور، غويشاي”، ومن عدة ولايات أخري في مقاطعة يليزافيتبول “كنجه” ومن قره باغ، تمكن القوميون الأرمن من طرد جميع السكان الأذربيجانيين من أراضي الدولة الأرمينية التى لم تكن قائمة حين ذاك، مستخدمين أشد أنواع التنكيل وارتكاب أفظع المذابح الجماعية، وخلال شهري مارس ويوليو 1918، قام الأرمن البلاشفة بارتكاب أعمال عنف علي نطاق واسع بهدف ترهيب السكان الأذربيجانيين المسالمين فى جميع أنحاء أذربيجان، خلال ستة شهور قتل أكثر من 50 ألف من المدنيين الأبرياء بقسوة ووحشية( المسنيين والنساء والأطفال)، وفي كثير من الحالات تم احراق المنازل والمساجد بمن فيها من الأهالى المسلمين. ونتيجة لتلك الأعمال الوحشية نزح عشرات الآلاف من الأذربيجانيين من أوطانهم الأصلية، الأمر الذي تسبب في كارثة انسانية أكبر حيث توفي الآلاف خلال عمليات النزوح بسبب انتشار المجاعات والأمراض والأوبئة.
تذكر الوثائق التاريخية أن أكثر من ألف قرية، ومئات الآلاف من البيوت والمزارع، ومئات الآثار المعمارية الإسلامية والمساجد والمبانى الدينية الأخرى، والآلاف من المنشآت الثقافية والتجارية تم تدميرها واحراقها، وقدرت الأضرار التي لحقت بالسكان الآذربيجانيين المسالميين بعدة مليارات ، بالإضافة إلى ذلك، تم تدمير وحرق مئات المناطق السكنية الأذربيجانية، بما فيها أكثر من 150 قرية في قراباغ وارتكبت مجازر بشعة ضد الاذربيجانيين في شوشا. واغتيل أكثر من 10 ألف أذربيجاني في قضاء زنكزور و أكثر من 18 ألف أذربيجاني في قضاء شاماخي خلال شهري مارس وابريل لعام .1918
تأسيس لجنة التحقيق الخاصة من اجل تحقيق الجرائم الكبرى وتقييم سياسي لأحداث الإبادة الجماعية
وقامت حكومة جمهورية أذربيجان الديمقراطية آنذاك بتأسيس لجنة التحقيق الخاصة من اجل تحقيق ودراسة الجرائم الكبرى التي ارتكبها الأرمن، و كما قامت الحكومة بإعلان 31 مارس لكل عام يوم العزاء الوطني و احتفل بهذا اليوم عامي 1919 و1920، لكن سقوط جمهورية أذربيجان الشعبية لم تسمح بإنجاز هذا العمل. ولمنح تقييم سياسي لأحداث الإبادة الجماعية في مواصلة القرارات التي لم تتمكن جمهورية أذربيجان الديمقراطية من تنفيذها، قرر الزعيم القومي الأذربيجاني حيدر علييف بعد 80 عاما فى 26 مارس 1998م بإعلان يوم 31 مارس كيوم الإبادة الجماعية للأذربيجانيين علي مستوي الدولة، احياءًا ذكرى جميع الأحداث المأساوية التي ارتكبت بحق الشعب الأذربيجاني.،
اكشاف مقبرة الجماعية فى مدينة قوبا وإنشاء المجمع التذكاري للإبادة الجماعية في ذكرى عشرات الآلاف من الأذربيجانيين الذين لقوا حتفهم نتيجة للمذابح
أثبتت الوقائع والأدلة التي اكتشفت حول مجازر الاذربيجانيين الجماعية من طرف الجماعات الارمينية المسلحة في قضاء قوبا مرة أخرى أن المقبرة الجماعية في مدينة قوبا عام 2007 دليل بارز تثبت وحشية الأرمن. واتضح من خلال الدراسات في المقبرة ان السكان المحليين قُتِلوا بصورة وحشية خاصة متعرضين لكل أساليب العنف أثناء هجوم الوحدات الارمينية المسلحة على قوبا عام 1918 ، تشير إلي وجود آثار تعذيب علي أجسادهم، حيث تم اكشاف العديد من المقابر في مدينة قوبا أن الآلاف من اللزقيين والتات والأقليات القومية الأخرى قد تعرضوا للعنف والقتل الجماعى، إلى جانب الأذربيجانيين الذين قُتلوا نتيجة للإبادة الجماعية بوحشية وهمجية. و نتيجة ذالك هجوم الأرمن المسلح قتل بصورة وحشية خاصة أكثر من 16 ألف شخص ودمرت 167 قرية في قضاء قوبا خلال الأشهر الستة الأولى لعام 1918، و45 من تلك القرى بادت لا توجد حاليا.
وللتذكير بتلك الأحداث الدموية، وإطلاع المجتمع الدولي وشعوب العالم بأثره على الأعمال الإجرامية الوحشية التى قام بها القوميون الأرمن وكذلك من أجل حماية الذاكرة الوطنية للأذربيجانيين عند الأجيال القادمة، ولإدامة ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية، أصدر رئيس جمهورية أذربيجان إلهام علييف فى 30 ديسمبر 2009م مرسوما رئاسياً حول إنشاء المجمّع التذكاري للإبادة الجماعية في مدينة قوبا، فى جمهورية أذربيجان.