١٦ / ٣ /٢٠٢٤
طرق مسمعي في أيام الهرج والمرج الديسمبري أن شخصاً اسمه الانصرافي يقدم لايفات يتحدّث فيها عن الشأن العام وكنت أتعجب إذ كيف يمكن لناشط. سياسي أن يسمي نفسه انصرافياً .. والانصراف في النقاش كما هو معلوم هو النقاش الذي يصرف الناس عن ما هم فيه من قضايا هامة ..
ثم بدأت أسمع له مؤخراً بعد تمرد مليشيا الحرامية وانعدام مصادر المعلومات فقد كان يقدم مادة إعلامية يومية ساهمت كثيراً في نشر الوعي سيّما عند الشباب …
من هو الانصرافي..؟
اختار الانصرافي أن يخفي شخصيته الحقيقية خلف هذا اللقب الحركي .. لذا فإنني أفضل أن أتعامل معه كما يريد أن يظل مستتراً.
لماذا فضّل الانصرافي ألا يفصح عن شخصيته الحقيقية..؟
يبدو أن الهدف الرئيسي من إخفاء الانصرافي لنفسه هي أنه يريد للناس أن يركّزوا على أفكاره وألا تكون شخصيته بأوصافها وانتمائها مانعاً أو مؤثّراً على قبول رسالته .. فمعلوم أنّ عيافة أهل السودان وقيافتها ومنبرشاتهم كفيلون بأن يطلعوا زيت كلّ من يتصدى للشأن العام ..
فالسودانيون يتجاوبون مع الشخص حسب انتمائه واتفاقهم معه سياسياً أو اجتماعيًا .. لذا فعندما تكون الشخصية محجوبة عن العيون ومجهولة عن التعريف وممنوعة من الصرف تنفتح الأذهان والقلوب لسماع آرائها من غير تحيّز مسبّق .. وهذه مأثرة.
والخفاء يجعل المتحدث أكثر جرأة في طرح أفكاره والتعبير عن نفسه من غير خشية مساءلة أو مقاضاة بإشانة سمعة الخ ..
ماهي ميزات الانصرافي اللايفاتية:
البث المباشر(اللايف) هو أحد وسائل التواصل المؤثرة والتي تُبثُّ عبر الوسائط الاجتماعية التي ورثت الإعلام التقليدي وصارت مؤثرة جداً خاصة وسط الأحداث ..
صارت السوشيال ميديا مصدراً مهماً للأخبار وللتأثير على الرأي العام خاصة في خضم هذه الحرب التي يمر بها السودان ..
وعندما نلقي نظرة على صفحة “الترس” وهى أحدث صفحة للانصرافي في الفيسبوك حيث نجد أنّ متابعي الصفحة يقتربون من المليون (تحديداً ٦٩٠ ألف) أبدى ١١٤ ألف منهم إعجاباً بالصفحة كما أن معدّل تقييم الصفحة (٤،٦ من ٥) أي بنسبة رضاء مقداره ٩٢٪.
اتخذ صرفة (وهو الاسم الذي يدلّع صرفة به نفسه) شعاراً لتلك الصفحة أبياتاً من قصيدة للشاعر أحمد مطر تقول:
أنا لن أحيد لأني
بكل احتمال سعيد
مماتي زفاف
ومحياي عيد
للايفات صرفة طعم خاص فمن طقوسها أن يبدأ اللايف بأغنية لمحمود عبد العزيز ..
وصار مؤخراً يأتي بمقاطع من مغنيات مؤيدات للجيش كإيمان الشريف وندى القلعة الخ ..
هذه المقدمة الغنائية بجانب أنها تعكس حبه لدرجة الوله لمحمود عبد العزيز تشكّل مرحلة التسخين الأولى للايف حيث تعطي وقتاً لتجمع المتابعين ..
يبث الانصرافي اللايف من سيارته وصار هذا عرفاً لكل لايفاتية السودان ويبدو لي أن مبتدأ هذا التقليد أن معظم اللايفاتية كانوا تكاسة في أمريكا .. ثم صار الأمر كأنه من لزوم الخروج لايفاً أن يكون من سيارة وتضمن السيارة للايفاتي بيئة هادئة كما أن انطلاق صوت اللايفاتي عالياً من مذياع السيارة يعطيه إحساس النشوة التي تكون في إستادات الكورة ..
مما يميز صرفة استخدامه للمنطق البسيط ووسائل التحليل المنطقية التي تتكون من مقدمات ونتائج ..
ويمتاز صرفة بالذكاء الحاد الذي يفوق أحياناً قدراته اللغوية ومخزونه الثقافي والمعرفي ..
للانصرافي أيضاً جيش أسناد من شباب يبذلون المال والجهد ويقدّمون مبادرات مجتمعية مفيدة شملت الإطعام في أيام الحرب وإسناد الجيش وترحيل العائدين ومبادرات صيانة المرافق وغيرها ..
وللانصرافب قدرة على الفكاهة وتقليد الأصوات والتشبيهات اللماحة .. ويركز الانصرافي في لايفاته بالإضافة للشأن السياسي والعسكري علي نقد نشاط قوى الحرية والتغيير وقياداتها البارزة كحمدوك وخالد سلك وصلاح مناع وياسر عرمان إضافة لناشطين من القحاتة منهم حنان حسن والشريف الحمادابي وهشام هباني ومحمد خليفة ورشا عوض ويستخدم كذلك أسماء السخرية مع معارضيه وأسلوب الكاركتير الذي يضخم صفات معينة سلوكية أو جسدية في الشخص المستهدف..
ومن لازماته المعروفة في ذلك وصفه لمحمد خليفة “بخليفة دنقر” (وهي على وزن خليفة حفتر) وآخر اسمه الشريف الحمادابي يطلق عليه لقب السفيه الحمادابي ويسمي هشام هباني الذي كان يقيم في السعودية شبشب الملك المؤسس إشارة لتعامله مع النظام السعودي أما أثيرتاه فهما الأستاذتان حنان حسن ورشا عوض حيث يطلق على الأولى لقب أم نخرة والثانية أم جضوض ..
وصرفة لديه غرور طفولي محبب يعظم فيه نفسه ويمجّدها ويصف نفسه “بالكاهن الكبير” “والسنيور صرفة” “وصرفة في الأرجاء” الخ .. وهذه لمن لم يعتد على أسلوبه يظنه فتىً مغروراً ولكنها صارت من لوازمه التي يستسيغها جمهوره ولا ينفرون عنها ..
ومن أقواله المشهورة قوله
“الله دة ما عزيز في السماء يا جنا”
، وقوله “دة شغل بَختلف” “وأوك كرروك ”
… الخ ..
ومن ميزاته التي تجلب له شبهة استخدام المكيفّات القوية أنه أحياناً يدير مكالمات هاتفية وهمية مع شخص غائب وتسمع منه طرف الحوار الذي يليه ولكن يمكنك التعرف بسهولة على ما يقوله الطرف الآخر .. ومن أشهر محادثاته الوهمية تلك التي يجريها مع البرهان وأحياناً مع حمدوك .. ويمكن لصرفه أحياناً أن يقلد صوت رئته العليلة التي يتهمها بالتخابر مع شبشب الملك الذي انتقد تدخينه المفرط.
أما كحة صرفة الشهيرة فقد تكون بسبب حساسية عنده أو أعراض ما بعد الكوفيد وأحياناً تعيقه عن إكمال اللايف ..
ومن ما يؤثر عنه قوله “كُرْ” لنفسه عندما يكح ثم يبدأ في نعي نفسه ..
وأحياناً ينهي اللايف فجأة عقب نوبة من نوبات السعال التي تعتريه
ومن مآثره استخدامه اللغة الشبابية مثل السمرجحة وهي المعروفة تاريخياً بالدامة واسمها الأحدث المسيرة ..
وبعضاً من لغته يأنف أبناء جيلنا من سماعها مثل عرسته وحشّرت له وركبته وصيّج الخ ..
من مصطلحات اللغة الوضيعة التي يستخدمها شباب اليوم وكنا لا نتحرأ أن نتحدّث بمثل تلك اللغة ونعتبرها لغة صيّع وشماشة ولكنها صارت مصطلحات يستخدمها أبناؤنا بلا حرج والله المستعان ..
وقد يقع صرفة أحياناً في بعض المحاذير الشرعية عندما يتساءل عن لماذا خلق الله صلاح مناع؟ أو ياسر عرمان؟ الخ ..
وندعوه للكف عن مثل هذه الأسئلة التي لا تليق بالذات العلية فهو لا يُسأل عما يفعل ونحن البشر نُسأل
الانصرافي أو صرفة أو المهندس محمد السماني هو ظاهرة متفردة وظاهرة جديرة بالبحث وقد خدم معركة الكرامة وإعلامها واستطاع أن يثقّف الشباب السوداني من الجنسين حول أحابيل قوى الحرية والتغيير وحكام البلد وتصدّى لمليشيا الجنجويد بقوة ونافح عن السودان وشعبه بصوته وفكره وزمنه ..
وأقترح له أن يكون له مجموعة استشارية من الإعلاميين لإعانته ومدّه بالمعلومات التي تغيب عنه فلا غضاضة في أن يكون لصرفة فريق تحرير يجهز له المادة الإعلامية أسوة بمقدمي البرامج في أجهزة الإعلام الأخري ..
وقد كرّمت بعض وحدات القوات المسلحة الانصرافي وصار يتفاخر بذلك تفاخراً محبباً فيغير صوته أو يقول أنا كشخص مكرم من القوات المسلحة …
ونرجو أن تكرّم الدولة السودانية صرفة بعد معركة التحرير هذه .. فقد كان صرفة جيشاً عرمرماً ثابتاً صنديداً وأمة لوحده في أسلوب ساخر لطيف..