همس الحروف* *حين اجتازوا النيران نحو الضوء ، حكاية طلاب من تحت رماد الحرب* ✍️ *د. الباقر عبد القيوم علي

☘️🌹☘️

**

في بلاد كانت تحلم و لا تنام ، و لا تستسلم ، وقد مضت ست سنوات عجاف كأنها الدهر ، لم تقس بالأيام بل بعدد الأنفاس المقطوعة ، و بالليال المقمعة بكبت الحريات و بلا سبب ، و بالقلوب الخائفة من كل شيء حولها ، و بالعمر المسكوب على قارعة الانتظار بدون جدوى و بدون هدف .

منذ ست سنوات ، و قطار الحياة يسير على سكة متهالكة ، منها أربع سنوات ، لم تعط الناس سوى الجوع ، و البرد ، و المرض ، و القلق ، و الخوف ، و لم تكن هذه السنوات الخاويات و المثقلات بالفراغ مجرد رقم في التقويم يتقلب ، بل كان ككتلة صخرة ثقيلة جثمت على صدورنا ، و كأنها صفائح من رماد حزن صفدت به الأرواح ، فقد تعاقبت المظاهرات على الطرقات إبتدأت بتسقط بس ، ثم تلتها تسقط ثاني و تسقط ثالث ، ثم فقدنا بعد ذلك البوصلة و ضاع بعدها كل شيء ، و سدت السبل امامنا ، و قطعت الأنفاس في جوفنا ، و تعطلت الحياة ، ثم أتت (كورونا) ، و هي تحمل قناعها ، وتسرق ما تبقى من أحلامنا ، حتى اختطفت القرار من تحت أيدينا ، وضاعت سيادتنا ، و أخذت أرواح من نحبهم و يحبونا ، و تركت لنا فراغاً كبيراً .

و لما حسبنا أن الليل قد بلغ مداه … اندلعت حرب ضروس . لم تبق شيئا على حاله ، فصار الوطن مقبرة للرغبات المؤجلة ، وزريبةً للأمل الجريح ، و سجن فسيح و لكن التجوال فيه مقيد .

و وسط كل هذا الخراب و الدمار و شيل الحال ، و خسارة المال و الحلال ، ظل هناك جدار صغير لم يسقط بعد ، جدار الطموح ، ومن بين الأنقاض ، و من فم القصف ، نهض أبناؤنا الأشاوس (طلابنا و طالباتنا)… لم يحملوا دفاترهم إلى فصولهم ، بل حملوا قلوبهم المثقلة إلى قاعات الامتحانات ، تسابقهم أصوات الرصاص ، وتتهددهم مليشيا لا تعرف للعلم حرمة ، و لا للمتعلم قيمة ، و هم يحملون أكفانهم إستعداداً لمفارقة الحياة .

جلسوا للامتحانات لا لأنهم درسوا بما يكفي ، بل لأنهم أرادوا أن ينتصروا للحياة على الرغم من أنهم لم يتمكوا من التحصيل الأكاديمي شيئاً ، و كانوا يمتحنون في المنهج الذين لا يعرفون شيئاً عن تفاصيله بسبب كل التفاصيل ، و لكن رغم ذلك كانت الحرب تمتحن صبرهم ، و هم صغار لم يتعرفوا حتى تاريخ هذه اللحظة عن سبب ضياع حياتهم التي لم تبتدي بعد .

و لأن النصر لا يقاس دائما بالأرقام ، فقد انتصروا جميعاً من أحرز منهم الدرجات العالية ، فهو بطل رفع راية وطن ممزق ، ومن تعثر في إحراز ما يؤهله من دخول الجامعات و المعاهد العليا و يعتبر راسب ، هو كذلك بطل، لأنه صمد في حجيم الحرب ، و لم يفر منها ، و لم ينكسر .

نبارك لمن أعادوا لنا طعم الفرح بنجاحهم ، فقد أعادوا الروح إلى صدورنا المتعبة ، و من كتبوا أسماءهم في قائمة الناجحين رغم أنف الخراب . و نعزي و نواسي من لم يكتب لهم النصر في هذه الجولة ، ونعاهدهم أنهم ما خسروا شيئاً ، فقد خرجوا من اختبار أشد ، ونجحوا في الحياة ، إنهم ناجحون رغم أنف من أبى، لأنهم عاشوا الحرب بكل تفاصيلها ، و لأنهم أصروا على البقاء رغم إلتفاف الموت حول أعناقهم ، إلا أنهم أصروا على البقاء ، فبإذن سيعودون في مقبل الايام بصورة أقوى ، وسيكتبون نصرهم بأيدهم في الامتحانات القادمة ، فقصتهم ليست قصة طلاب أرادوا لأنفسهم النجاح ، بل انها قصة وطن سرق من تحت أيدينا ، و و تمسكنا به لإثبات وجوديته حتي ظل يتنفس رغم كل شيء ، فأنتم يا صغار ناجحون و إن لم يحالفكم الحظ هذه المرة ، فالقادم أفضل بكثير إن شاء الله .

و نصر من الله و فتح قريب و بشر المؤمنين

الحاكم نيوز وجهة جديدة في عالم الصحافة الرقمية المتطورة... سرعة اكتر مصداقية اكتر دقة وانتشار للخبر والإعلان ..™

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

19 + واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى