عثمان ميرغني يكتب ” مجزرة صالحة”

فيديو مصور بعناية أمس في منطقة صالحة جنوب أمدرمان.. مجموعة من الشباب أغلبهم ربما أقل من 20 سنة.. عراة إلا من السراويل.. متماسكون بالأيدي ويساقون جريا على الأقدام و خلفهم مجموعة من قوات الدعم السريع.. تزجرهم بأبشع الألفاظ والبنادق مشرعة نحو ظهورهم .

قوة الدعم السريع تطلب منهم الجلوس أرضا على جانب شارع مسلفت وتوجه إليهم مزيدا من الشتائم بينما مصور الفيديو يزيد المشهد بشاعة بتكرار عبارات مسيئة مع ذكر التاريخ بدقة .. دون أن يحدد ماهي التهمة التي يساق بها الشباب الأعزل المسالم.. الذين جمعوا من بيوتهم ..بلا سابق معرفة..ثم .. ينهال الرصاص على الأجساد العارية.. البنادق تلتهم المجموعة الشبابية كلها بلا استثناء.. دون توجيه أية تهمة ولا حتى أسئلة عن الأسماء والبيانات الأساسية..ثم يتحول الوضع إلى مشاهد لا تحتملها حتى أفلام الخيال.. توضع “لساتك” فوق الأجساد التي لا تزال يسيل منها الدم.. وربما بعضهم لم يتكامل خروج الروح منها.. وتشعل النيران لطمس الهويات وربما آثار الجريمة.
هذا الفيديو المرعب لا يكتمل إلا بفيديو آخر لمن يبدو أعلى رتبة عسكرية ممن نفذوا الجريمة.. و يتكلم بكل أريحية ويفخر بأنه هو من أصدر أمر الاعدام.

هذا الفيديو وجد طريقه إلى منصات المشاهدة وانتشر سريعا.. لكن كم من مثل هذه الحوادث وأبشع منها لم يجد من يصوره ويجعل العالم شاهدا عليه؟

بكل يقين ربما مئات أو ربما آلاف المشاهد كُتِمت خلف حجب التستر.. ولم يجد الضحايا من يبكي عليهم أو حتى يسترهم بعد الرحيل المفجع الدامي.
بالضرورة لن يكون ممكنا نجدة من يلقي بهم حظهم العاثر في فك المليشيا الا بتحرير القوات المسلحة لما تبقى من مناطق في كل أنحاء السودان.. ولكن إلى ذلك الحين لا يمكن الاكتفاء بالحسرة و دموع العجز..

من المهم أن تسارع الدولة بمسارين:

الأول : قانوني جنائي: أن تكلف جهات خاصة بتوثيق كل هذه الجرائم.. و تحديد هويات مرتكبيها بالاسم وتفاصيل البينات الأساسية.. وتنشر في وسائط الاعلام المفتوح.. وطال الزمن أو قصر يجب أن تأخذ العدالة مجراها.. حتى ولو بعد حين.. تماما كما حدث في مواقع كثيرة في العالم.. تجربة رواندا و البوسنة والهرسك و حتى في الحرب العالمية الثانية التي ظل مرتكبو جرائمها مطاردون لعقود من الزمان وألقى القبض على بعضهم بعد أكثر من نصف قرن من نهاية الحرب.
المسار الثاني : الاعلامي؛ خاصة الموجه للرأي العام.. استبشاع الحادثة بتفاصيلها لا يجب أن ينحصر في السياق العاطفي وحده.. لابد من تحويله إلى خطاب اعلامي قوى وفعال.. في اتجاهين : الأول لاستثارة الحس الانساني تجاه ما ترتكبه قوات الدعم السريع.. والثاني في سياق الاعلام المضاد الذي يستهدف المنتمين لهذه القوات المتمردة والموالين أو حتى المتعاطفين معها.

و في كل الأحوال.. لا مناص من الوصول للح النهائي الذي لا ينهي الحرب فحسب بل و يقتلع آثارها و جمراتها من الأرض اقتلاعا.. البحث عن السلام.. وهناك فرق بين الانتصار العسكري والسلام..
النصر العسكري حتما وبلا أدنى شك سيكون لصالح الجيش السوداني .. ولكن الوصول إلى السلام يتطلب الانخراط في مفاوضات جادة وبشروط الشعب السوداني.. وهذا عمل سياسي محض لا علاقة له بالمسار العسكري.. وكلما تعطل أو تأخر فهو دلالة على عجز القوى السياسية.

الحاكم نيوز وجهة جديدة في عالم الصحافة الرقمية المتطورة... سرعة اكتر مصداقية اكتر دقة وانتشار للخبر والإعلان ..™

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة + ثلاثة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى