همس الحروف خطاب الدكتور كامل إدريس… توازن العقل ومسؤولية المرحلة ✍️ د. الباقر عبد القيوم علي

☘️🌹☘️

جاء خطاب رئيس مجلس الوزراء، سعادة الدكتور كامل إدريس ، بمثابة جرعة من الاتزان السياسي و الرصانة الفكرية في وقت يمر فيه السودان بمنعطف بالغ الحساسية ، حيث تتقاطع التحديات الداخلية مع الضغوط الخارجية ، وتتفاوت الرؤى وتتزاحم الأصوات ، ورغم كل هذا التعقيد ، أطلّ الدكتور إدريس على السودانيين بخطاب جمع بين الحزم و الهدوء، و بين العقلانية و الانفتاح ، ليؤكد مجدداً أن الوطن لا يزال قادراً على إنتاج قيادات تتحدث بلغة الدولة لا بلغة الشعارات .

ففي مقدمة خطابه ، لم يغفل الدكتور إدريس تحية القوات المسلحة السودانية ، و كل القوات النظامية و المساندة لها ، و لكل من وقف بماله ، و بقلمه ، حافظاً بذلك دور الإعلام في هذه المرحلة المفصلية ، و قد عبر بشكل واضح عن تقديره للمؤسسات الوطنية الحامية للسيادة ، ثم عاد لاحقاً ليحيي قوات الكفاح المسلح في تكرار مقصود لا يخلو من دلالات عميقة ، مفادها أن الاستقرار لا يُبنى إلا على أكتاف جيش مهني و موحد ، و على أجهزة أمنية تتكامل أدوارها دون تنازع أو انقسام .

و كما وجّه الدكتور كامل إدريس رسائل واثقة و مباشرة إلى المجتمع الدولي ، مستعرضاً صورة جديدة للسودان ، لا بوصفه دولة متأرجحة بين التحولات ، بل كدولة صحّحت مسارها ، و استعادت بوصلتها نحو المدنية ، دون انتقاص أو وصاية. فلم تكن كلماته استجداءً أو تبريراً ، بل كانت إعلاناً هادئاً أن السودان قد نفض عن كاهله غبار مرحلة ، و ها هو اليوم يقف مرفوع الرأس ، دولة ذات سيادة و مؤسسات ، و شكر دول الإقليم التي أحسنت صنعاً ، و وقفت إلى جانب السودان في محنته ، بإدراك أن البناء لا يتم إلا بتكاتف الجيران .

لم يكن الخطاب مجرد كلمات بروتوكولية ، و لكن حمل بين سطوره رسائل متعددة الاتجاهات ، و دلالات واضحة المعالم ، شملت الداخل و الخارج على حد سواء ، ففي الداخل ، أكد إدريس أنه سيكون على مسافة واحدة من كل الأحزاب و الكيانات ، في إشارة إلى التزامه بالحياد المؤسساتي ، لكنه أضاف في حنكة سياسية واضحة ، أنه سيكون قريباً من الشعب ، و هو تعبير اختزل موقفه الأخلاقي من السلطة ، أن لا سلطان فوق إرادة المواطن ، ولا شرعية تعلو على المصلحة الوطنية الجامعة .

أما على صعيد آخر ، فقد وجه إدريس رسالة غير مباشرة لمن اعتقدوا أن الحديث بلغة أجنبية هو مرادف للفهم والتقدم ، و في رد هادئ لكنه ذكي ، انتقل إدريس بين عدة لغات ، ليس استعراضاً لقدراته ، ولكن ليبعث بإشارة أن الكفاءة لا تقاس بطريقة التعبير ، بل بعمق الفكرة ، و نضج الرؤية ، و شمول البرنامج .

و هنا كان لا بد من المقارنة ، التي فرضها الواقع لا النية ، بين الدكتور إدريس و سابقه الدكتور عبد الله حمدوك. فبينما وُصف خطاب حمدوك بالهدوء المفرط الذي اقترب من الغموض أحياناً ، تميز خطاب إدريس بالوضوح و التحديد ، دون أن يقع في فخ الاستقطاب أو الإثارة . و بينما عُرف عن حمدوك غياب الرؤية الواضحة في إدارة الدولة ، جاء إدريس ليعلن امتلاكه لبرامج جاهزة ، و رؤية قابلة للتطبيق ، تستند إلى خبرته الدولية العريضة ، و معرفته العميقة بمكامن الخلل و سبل الإصلاح .

ليس خافياً على أحد أن السودان في حاجة ماسة إلى قائد يجمع بين الرؤية و الانتماء ، و بين الخطاب الوطني و النهج الواقعي ، فالدكتور كامل إدريس ، بشخصيته الجامعة ، و خبرته الواسعة ، و لغته المتزنة ، و خطابه المتعدد الأبعاد ، يبدو مؤهلاً للعب هذا الدور في لحظة وطنية استثنائية .

إن الطمأنينة التي بثها خطابه ليست فقط في الكلمات، بل في الطريقة التي قُدّمت بها ، و في الرسائل الرمزية التي أُطلقت بعناية ، بداية من التحية لصليحه ، و من خالفه ، فبدأ بتحية المخالف له قبل مؤيده ، إلى التلميح لمن يراهن على الخارج أكثر من الداخل ، كلها إشارات توضح بأن ثمة عقلية جديدة تحاول أن تكتب فصلاً مختلفاً من تاريخ هذا البلد الجريح .

و لعل هذا الخطاب ، بما حمله من توازن و واقعية ، يكون بداية لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة ، و لعلّه أراد أن يبعث برسالة غير مباشرة إلى كل من في قلبه ذرة وعي أن السودان رغم كل شيء، لا يزال قادراً على النهوض، إذا ما وُجدت الإرادة ، و الرؤية ، و القيادة الواعية .

و الله من وراء القصد و هو الهادي إلى سواء السبيل

الحاكم نيوز وجهة جديدة في عالم الصحافة الرقمية المتطورة... سرعة اكتر مصداقية اكتر دقة وانتشار للخبر والإعلان ..™

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى