
في البدء، نسأل الله التوفيق والسداد للسيد رئيس مجلس الوزراء الجديد، د. كامل إدريس، الذي نال ثقة السيد رئيس مجلس السيادة لتولي هذا المنصب في هذا التوقيت الدقيق والمفصلي من تاريخ السودان.
مرحلة حرجة بكل المقاييس، لا تحتمل التجريب، ولا تتسع للمحاصصات الضيقة، بل تتطلب إرادة وطنية خالصة، ورؤية استراتيجية نابعة من الألم الجماعي لهذا الوطن الجريح.
إن ثقة الشعب في قيادة الدولة، خصوصًا في هذه المرحلة، مشروطة بالفعل قبل القول، وبالنتائج لا الوعود.
ولذلك نأمل أن يُوفَّق الدكتور كامل إدريس، وهو من أبناء السودان المشهود لهم بالكفاءة على المستوى الدولي، في تشكيل حكومة تنفيذية تتمتع بالنزاهة والشفافية والتوازن، وتعكس التعدد والتنوع الذي يميز السودان الكبير.
إن الحكومة القادمة، في نظرنا، ينبغي أن تكون حكومة كل السودان، لا أن تُختزل في أحزاب بعينها، أو تُحاصرها التوازنات الجهوية الضيقة التي قادتنا إلى أزمات متكررة، وفشل مستدام. يجب أن تُبنى مؤسسات الحكم على أسس الكفاءة والقدرة والمهنية، وأن يتم اختيار الوزراء والمساعدين والمستشارين من بين أبناء الوطن الأكفاء، دون تمييز أو تهميش.
ومن هذا المنطلق، نكتب من ضفاف النيل الأزرق، الإقليم الذي ظل عبر تاريخه حاضرًا في كل الميادين الوطنية، دفاعًا عن الأرض والكرامة، ومساهمة في التنمية والعطاء، لكنه ظل في المقابل غائبًا عن منصات القرار الاتحادي، أو حبيس تمثيل رمزي لا يرقى إلى مستوى التضحيات والمساهمات.
إننا كجزء من الشعب السوداني في النيل الأزرق، لا نطلب من الدولة منّة أو عطفًا، بل نطالب باحقاق الحقوق التي كفلها الدستور، وأقرتها اتفاقيات السلام، واعترفت بها كل أدبيات الدولة الحديثة.
نطالب بتمثيل عادل في مؤسسات الحكم، يُراعي حجم الإسهام، ويُجسد مبدأ المواطنة المتساوية.
حينما نذكر أن أبناء النيل الأزرق كانوا في مقدمة الصفوف، فإننا لا نطلق شعارات، بل نحكي واقعًا موثقًا. رجال الفرقة الرابعة مشاة، ومعهم كافة القوات النظامية والمستنفرون من المقاومة الشعبية، ضربوا أروع الأمثلة في الدفاع عن الوطن، وبذلوا الدماء رخيصة من أجل عزته وكرامته.
ولذلك، من غير المقبول أن يتم تغييب هذا الإقليم من خارطة الحكم، أو التعامل معه كمخزن للجنود فقط، بينما تُصادر حقوقه في التنمية، والتعليم، والخدمات، والوظائف القيادية.
فكما كانت ميادين القتال مفتوحة لأبناء النيلالأزرق، يجب أن تُفتح ميادين الإعمار والسياسات العامة أمامهم أيضًا.
سودان ما بعد الحرب ليس كالسودان الذي قبله، والمطلوب الآن هو مشروع وطني جامع، يعيد بناء الدولة على أسس جديدة، ويُعيد توزيع الثروة والسلطة بعدالة، ويضمن إشراك كل المكونات في صنع القرار، لا أن يظل بعضهم على الهامش، ينتظرون الفتات أو يُستدعون في الأزمات فقط.
دعوة لرؤية وطنية شاملة:
نحن لا نطلب معاملة تفضيلية، بل نطالب برؤية عادلة.
رؤية ترى الوطن كله كيانًا واحدًا متماسكًا، لا شرائح مفككة أو أقاليم متنازعة. نطالب بسياسات عادلة تُنهي التهميش، وتُعيد توزيع الفرص، وتُطلق طاقات الشباب من كل المناطق.
نُذكّر رئيس مجلس الوزراء أن إعمار السودان لا ينجح إلا بمشاركة الجميع، وبإزالة المظالم التاريخية، وبفتح أبواب الخدمة العامة والسياسات الاقتصادية والثقافية لكل أبناء الوطن، من دنقلا إلى الكرمك، ومن الجنينة إلى بورتسودان.
وفي هذا السياق، لا بد من التركيز على التنمية المتوازنة، ومراجعة سياسات المركزية الشديدة التي خنقت الأقاليم، وضمنت الثروة والفرص لقلة على حساب الكثرة.
فالمطلوب اليوم أن تكون الحكومة القادمة انعكاسًا حقيقيًا للسودان الذي نريد ، سودان السلام والمواطنة والعدالة الاجتماعية.
صولة أخيرة:
نهاية القول… وبداية الطريق
نعم، التحديات جسيمة، والملفات ثقيلة، لكن لا مستحيل مع صدق الإرادة. وقد أثبت التاريخ أن هذا الشعب حين يُعطى فرصة عادلة، يُبدع، ويبتكر، ويبني، ويُضحّي.
فيا سيادة رئيس مجلس الوزراء، هذه رسائلنا من ضفاف النيل الأزرق، نبع النيل وأرض التاريخ، نحملها إليكم لا من باب المناشدة، بل من باب المسؤولية الوطنية والمطالبة بحق مُستحق.
ختامًا، سيظل اليراع صادحًا بالحق، وشاهدًا على المرحلة، وله صولات أخرى… ما دامت في القلب بارقة أمل، وفي اليد قلم.