
في وقتٍ يفتقد فيه الشعب السوداني أدنى مقومات الحياة الكريمة، ويصارع يومياً من أجل لقمة العيش والأمن والدواء، تتصاعد الأسئلة المؤلمة حول مظاهر الرفاهية داخل أجهزة الحكم؛ عربات فارهة، مكاتب وادعة، وبنود صرف مفتوحة، وكأن البلاد تعيش في رخاءٍ لا حرب فيه ولا نزيف. السودان اليوم ليس في مرحلة تجميل الصورة ولا ترف الإدارة، بل في مرحلة بقاء وطن. المواطن في القرى والمدن المنكوبة لا يسأل عن نوع سيارة الوزير، بل عن متى تنتهي معاناته، ومتى تعود ما تبقّى من كردفان ودارفور إلى حضن الوطن، ومتى يشعر أن تضحياته لم تذهب سدى.إن حالة التناقض الصارخة بين واقع الشعب وما يراه من مظاهر إنفاق حكومي تفتح باب الغضب المشروع. فكيف يُبرَّر الصرف على العودة إلى مقار الحكم، والحديث عن ترتيبات ما بعد الخرطوم، بينما لا تزال أجزاء عزيزة من الوطن تنزف وتئن؟ وكيف يُقدَّم الإعمار على التحرير، والواجهة على الجوهر، فيما الأولوية القصوى هي بسط الأمن الكامل واستعادةالسيطرة علي جميع ربوع السودان
المطلوب اليوم، كما يراه كثيرون، قرار شجاع وحاسم يضع الأمور في نصابها:تقليص الصرف العام إلى الحد الأدنى، إيقاف كل الكماليات بلا استثناء، توجيه الموارد نحو الهدف الوطني الأعلى هو إسناد ودعم القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى التي تقف في الميدان في ظروف قاسية، بينما ينعم بعض المسؤولين بامتيازات لا تتناسب مع حجم التحدي ولا مع دماء الشهداء.القضية ليست شعارات، بل ثقة. والثقة لا تُشترى بالخطابات، بل تُبنى حين يشعر الجندي في الخندق، والمواطن في المعسكر، أن من يحكمه يعيش ذات الوجع ويحمل ذات الهم، لا أن تكون هناك دولتان:دولة في الميدان، وأخرى في المكاتب المكيفة.
الشعب اليوم لا يحتاج مزيداً من الوعود، بل قرارات واضحة تُحوِّل كل الإمكانات والموارد إلى ما يحميه ويدافع عنه. الحاجة الملحّة هي توجيه الأموال إلى المضادات الأرضية، وأجهزة التشويش، ووسائل الدفاع ضد المسيّرات، بعد أن أصبح الاستهداف المتكرر واقعاً، كما حدث اليوم في عطبرة. هذا الاستهداف لا يحتمل التراخي،ويستدعي تعبئة شاملة لمواجهة الخطر ووقف نزيف الأرواح والمنشآت.سعادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة:
هل رأيتم حجم التفاوت بين قلةٍ تنعم، وغالبيةٍ تعاني؟ أوقف كل شي ليكون صوت المعركة أعلى من أي صوت، والعتاد أولى من أي مظهر، وتجهيز الجيوش أوجب من أي إنفاق آخر. الهمّ الوطني يفرض أن تتجه كل الطاقات نحو معركة التحرير، حتى ينطلق الزحف لاستعادة السودان كاملاً، ثم بعد ذلك فقط يكون الحديث عن الإعمار وبناء ما تهدّم.السودان لن يُبنى بالترف، ولن يُستعاد بالإنفاق غير المسؤول.
الأولوية اليوم وطنٌ آمنٌ مُحرَّر وبعدها فقط يبدأ البناء.






