جبريل إبراهيم يفتح الملفات الثقيلة: وحدة السودان أولاً… والاقتصاد طريق الخروج من الحرب كتب الصافي سالم

لم يكن حديث الدكتور جبريل إبراهيم في صالون الأمير جمال عنقرة مساء اليوم الجمعة حديث مناسبات أو عبارات محسوبة، بل جاء أقرب إلى كشف حساب سياسي واقتصادي في لحظة وطنية بالغة التعقيد. أمام جمع من الصحفيين والإعلاميين، قدّم وزير المالية ورئيس حركة العدل والمساواة رؤية تتجاوز اللحظة، وتخاطب جذور الأزمة السودانية وتداعيات الحرب على الدولة والمجتمع.
منذ البداية، وضع جبريل النقاط فوق الحروف، مؤكداً أن دارفور وكردفان خارج أي سوق للمساومات، وأن وحدة البلاد ليست بنداً تفاوضياً ولا ورقة ضغط. حديثه حمل نبرة يقين بأن ما يُشاع عن مقايضات جغرافية أو ترتيبات انفصالية لا يستند إلى واقع، لأن الإرادة الشعبية لا الصفقات هي التي تحمي السودان.وفي تشخيصه لما جرى، أشار إلى أن هناك من راهن على انهيار الدولة في وقت قياسي، وأن سيناريو السيطرة على السودان كان يُدار بعقلية “الضربة الخاطفة”، لكن حسابات الواقع جاءت معاكسة، حيث لعب تماسك المجتمع وبقاء مؤسسات الدولة دوراً حاسماً في إفشال تلك الرهانات. الرسالة هنا أن الحرب، رغم قسوتها، لم تنجح في كسر العمود الفقري للدولة.
اقتصادياً، لم يَعِد جبريل بحلول سحرية، لكنه تحدث عن مسار إصلاحي تدريجي يضع الأولوية لمعاش الناس، ويعيد الانضباط للمالية العامة، مع التشديد على أن العدالة الوظيفية داخل أجهزة الدولة تمثل شرطاً أساسياً للاستقرار الاجتماعي، وأن زمن الامتيازات غير المبررة يجب أن ينتهي.
أما عن الخرطوم، فقد تعامل معها بوصفها رمزاً لا مجرد مدينة. العودة إليها بحسب حديثه ليست قراراً عاطفياً، بل عملية مرتبطة بالأمن والبنية التحتية، وفي مقدمتها تشغيل مطار الخرطوم. ورغم ذلك، أشار إلى أن نهاية يناير تمثل أفقاً زمنياً متوقعاً لبدء عودة تدريجية، تعكس استعادة الثقة في قدرة الدولة على بسط الاستقرار.
وعلى المستوى الخارجي، بدا جبريل مدركاً لحساسية موقع السودان في الإقليم والعالم، مؤكداً أن تحسين العلاقات الدولية ليس ترفاً سياسياً، بل مدخل أساسي لإنعاش الاقتصاد، وفتح أبواب الاستثمار، واستعادة السودان لمكانه في المؤسسات المالية والأسواق العالمية.
في المحصلة، قدّم جبريل إبراهيم خطاباً أقرب إلى لغة الدولة منه إلى لغة الحركة أو الحزب؛ خطاب يراهن على وحدة البلاد، ويقر بصعوبة الطريق، لكنه يؤكد أن السلام لن يُفرض من الخارج، ولن يُشترى بالتنازلات، بل سيصنعه السودانيون أنفسهم، حين تتلاقى الإرادة السياسية مع صبر الشعب وتضحياته، في طريق شاق نحو الاستقرار وإعادة البناء.

الحاكم نيوز وجهة جديدة في عالم الصحافة الرقمية المتطورة... سرعة اكتر مصداقية اكتر دقة وانتشار للخبر والإعلان ..™

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة − خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى