بدرالدين موسى يكتب .. قراءة حول الإتفاق السياسي الإطاري

بدرالدين موسي

أوجه المقارنة ما بين الاتفاق السياسي يوليو ٢٠١٩م والاتفاق السياسي الإطاري ديسمبر ٢٠٢٢م.

توسيع قاعدة المشاركة وشموليتها والاجماع النسبي من الفاعلين السياسين حول الاتفاق السياسي الإطاري.

اخطاء يجب تفاديها تجنبآ لتكرار التجربة السابقة التي ادت الي حالة الاحتقان السياسي وادخال البلاد في مأزقها الحالي.

دعاوي الرافضين للاتفاق السياسي الإطاري ما بين الموضوعية والكيد السياسي.

القضايا الخمسة التي تم تأجيلها للاتفاق النهائي لمزيدآ من الحوارات والنقاشات للوصول لرؤي تفصيلية بشأنها.

انسدل صباح امس الستار بالتوقيع علي الاتفاق السياسي الإطاري والذي بموجبه سوف تستنأنف العملية السياسية بعد حالة انسداد للافق واحتقان سياسي لازم البلاد لعام ويزيد نتاج الخلافات والتشاكسات السياسية التي عايشها السودان من فراغ دستوري وحالة توهان اعترت العملية السياسية في البلاد وكادت ان تعصف باجندة ثورة ديسمبر المجيدة الي اتون المجهول عطفآ علي الحالة الاقتصادية المتردية وضيق العيش التي احلت بالبلاد ومواطنيها ، جاء هذا الاتفاق نتاج عملية سياسية معقدة ما بين الشد والجذب من اطراف الفترة الانتقالية المتشاكسة وهذا الصراع فتح ابواب ومنافذ لقوي الثورة المضادة لتظهر في المشهد السياسي بواجهات ومسميات وتكتلات متعددة محاولة فرض نفسها علي المشهد السياسي الحالي ، اذ قورن هذا الاتفاق السياسي الإطاري الذي تم توقيعه بالامس والذي يتكون من فصول تشمل المبادئ العامة وقضايا ومهام الانتقال وهياكل السلطة الانتقالية والاجهزة النظامية بجانب الفصل الاخيرة الذي حدد قضايا الاتفاق النهائي التي تم تأجيلها لمزيدآ من التباحث والنقاش للوصول لرؤي وخلاصات تفصيلية ومن ثم تضمين مخرجاتها في مسودة الدستور الانتقالي القادم ، ان تمت مقارنة هذا الاتفاق الإطاري بالاتفاق السياسي السابق حيث نجده انه اكثر دعمآ للدولة المدنية الديمقراطية ونجد ان هذه المبادي الاطارية حددت بوضوح ملامح الدولة القادمة والنقطة الاكثر اهمية هي تحديد علاقة المؤسسة العسكرية من العملية السياسية وتحديد دورها ومهامها وبجانب الاشارة لعملية الاصلاح الأمني والعسكري للمؤسسة العسكرية وصولآ لتكوين جيش قومي مهني واحد محترف ، خلافآ للاتفاق السياسي السابق الذي ابرم في يوليو ٢٠١٩م واكتفي بالعموميات المعممة دون الإشارة لدور المؤسسة العسكرية وما ينبغي أن تكون عليه من مهام وسلطات.

ما يحمد لهذا الاتفاق السياسي الإطاري الذي تم التوافق عليه بين قوي عديدة من قوي الثورة والانتقال رغم التباينات الفكرية والايدلوجية بينها ، الا انها توافقت ولا اقول اتفقت علي هذا الإطار الذي يجب أن يكون هادي ومرشد للتفاصيل النهائية وهذا التوافق وسع من قاعدة المشاركة والاجماع النسبي علي هذه الوثيقة الاطارية لان بطبيعة الحال ليس من مهام الفترات الانتقالية الاتفاق والتوافق الكلي والكامل بل التوافق علي المطلوبات والاسس والمبادئ الحاكمة للفترة الانتقالية والتي بالضرورة تتضمن مهام الفترة الإنتقالية واجندة ثورة ديسمبر وصولآ للانتخابات بعد توفر شروطها وتهيئة بيئتها الضرورية ليختار الشعب السوداني وقتها من يمثله ويفوضه ، وهنالك نقطة ضرورية وجوهرية لا بد من الإشارة اليها ان توسيع قاعدة المشاركة بالضرورة لا تعني إغراق العملية السياسية والفترة الانتقالية بمكونات واطراف تنتمي او تحمل اجندة قوي الثورة المضادة لتعمل وتعيق عملية الانتقال من داخل مؤسسات الفترة الإنتقالية.

من الاخطاء الجسيمة التي لازمت التجربة السابقة للحرية والتغيير وادخلت البلاد لاحقآ في الازمة السياسية الخانقة والتي اوصلتنا لمحطة ٢٥ اكتوبر وما تلاها تداعيات من وعواقب كارثية ووخيمة علي الوطن وشعبه هي الانفراد بالقرار السياسي وحصره في دوائر مصغرة تتحجم يومآ بعد يوم ليصبح امر البلاد والتقرير في شأنها في يد مجموعة مصغرة من احزاب / شلة / مجموعة….الخ وهذا مرفوض بالضرورة ، ومن اكثر البدع التي صاحبت التجربة السابقة هي بدعة الحاضنة السياسية، عليه اجد نفسي من الداعمين والمنادين بتعدد كتل الفترة الإنتقالية والتحالفات التي يجب ان تتوافق وتتواضع علي مهام الفترة الإنتقالية وتشكيل إجهزتها لتقوم بمهامها مع الاحتفاظ بكيانتها التحالفية دون الذوبان في جسم تحالفي واحد ويعمل الكل من حيث موقعه من تحالفه المستقل وصولآ للانتخابات العامة التي تتحالف فيها القوي والكيانات السياسية حسب البرامج والمشاريع السياسية المتفق حولها ، ان لم يتم الانتباه لهذه القضية بالضرورة ستتم إعادة انتاج الازمة السابقة بكلياتها و سوف نستمر في ذات الدوامة المملة.

مثلما وجد هذا الاتفاق تأييدآ من قطاعات واسعة بالضرورة قد وجد أيضآ معارضة من قطاعات عديدة اهمها قطاعين ومعسكرين من معسكرات قوي الثورة والانتقال هم الجذرين والرافضين للتسوية السياسية وهم من طبيعة مسماهم ضد التسوية السياسية من حيث المبداء ، بجانب معسكر اخر من قوي الثورة والانتقال ولا يمانعون التسوية السياسية ولكنهم رافضون لهذا الاتفاق السياسي الإطاري في تقديري ان عوامل الرفض لا تنطلق من حيث الموضوعات والقضايا بدليل ان اجريت مقارنة بسيطة وسريعة بين ما هو مطروح في وثائقهم المعروضة نجد ان الاختلافات ليست بجوهرية بل تكاد ان تكون بسيطة ومقدور عليها بتقديم التنازلات هنا وهناك ، الا ان الامر في جوهره لا يخرج عن دائرة الكيد السياسي والانتصار للانا الحزبية والتحالفية وهذا الخلاف بالضرورة له ارتباط وثيق بتراكمات الصراع السياسي الذي افرزه انقسام الحرية والتغيير في سبتمبر ٢٠٢١م وصولآ لمحطة ٢٥ اكتوبر التي القت بظلالها علي المشهد السياسي ، واعود واقول ان الصراع بجوهره يتعلق بالنقطة التي اثرناها في الجزئية السابقة المتعلقة بالسيطرة والانفراد بالقرار السياسي والتقرير في شأن البلاد من مجموعة صغيرة مصغرة تحتكر مطبخ القرار بدعاوي الحاضنة السياسية كأن البلاد مملوكة للمجموعة التي تتوصل لاتفاق سياسي مع المكون العسكري اولآ وتصبح حينها هي صاحبة الشأن في التقرير في امر البلاد ، في تقديري ان مناقشة هذه القضية والوصول لتوافق بشأنها هي من تعجل بوصول الفرقاء السياسين للانضمام للاتفاق السياسي الإطاري ومن ثم السير سويآ لإنجاز القضايا التفصيلية المتبقية.

القضايا الخمسة التي تم تأجيلها تعد من القضايا الجوهرية والمهمة وهي من صميم قضايا الفترة الإنتقالية ودون الوصول لاتفاق حولها من قطاعات واسعة من المعنين بالامر يصبح الحديث عن استقرار الفترة الإنتقالية ضرب من ضروب الوهم والخيال الخصب.
اولآ : العدالة والعدالة الإنتقالية : هذه القضية من القضايا المعقدة لارتباطها وتقاطعاتها بالحق الخاص والوصول لحلول بشأنها يحتاج لحوار عميق بين الضحايا واسرهم والمنتهكين لهذه الجرائم افرادآ / مؤسسات وفي ظل هذا الصراع السياسي المحتدم من المتوقع استغلال هذه القضية من طيف واسع من الفرقاء السياسين من اجل الكيد والتكسب السياسي الرخيص وهذه البوادر لاحت في الافق في هذه الايام وعليه يبقي من الضروري التعامل مع هذه القضية بمحمل من الجد دون فرض اي حلول فوقية مستعجلة قد تأزم الاوضاع اكثر مما هي عليه الان.
ثانيآ : الاصلاح الأمني والعسكري : يجب أن تقود المحصلة النهائية لهذه القضية الهامة خروج المؤسسة العسكرية برمتها من العملية السياسية والتركيز علي مهامها الوطنية المنصوص عليه في الدستور وقانون القوات المسلحة السودانية وذلك لا يتأتي الا بتصفية التسيس داخل هذه المؤسسة العريقة بجانب اكمال الترتيبات الأمنية الحالية واللاحقة بغرض الوصول لجيش مهني وطني واحد محترف.
ثالثآ : اتفاق جوبا لسلام السودان وإكمال السلام : هذا الاتفاق عالج وناقش قضايا جوهرية مهمة لكثير من شعوب السودان ووضع المعالجات اللازمة لها وتبقي العبرة في تنفيذه وتحديث مصفوفات تنفيذه اي دعاوي او اصوات لفتحه او تعديله للانتصار لذوات اخرين افراد/ احزاب ما هي الا إشارات مبطنة للعودة للحرب.
رابعآ : تفكيك نظام ٣٠ يونيو : تفكيك بنية النظام ضرورة مهمة وموضوعية لتحصين الفترة الإنتقالية وضمان عدم عودة نظام الاستبداد المباد ويجب تقييم التجربة السابقة لان قد شابتها الكثير من الاخطاء الكارثية التي تقدح في الهدف الاسمي ذات نفسه وهو تفكيك بنية النظام السابق واسترداد الاموال المتحصل عليها بطرق غير مشروعة.
خامسآ : حل قضية شرق السودان : شرق السودان لا يستحق هذا العناء حيث قدم شعبه ولا زالوا يقدمون النفيس والغال لهذا السودان وهو البوابة والنافذة له ورئته النابضة ما حققه اتفاق مسار شرق السودان فيه مكاسب كبيرة يجب الحفاظ عليها ودعمها ونتمني ان تحل هذه القضية عبر هذه العملية السياسية الجارية بتوافق كافة مكوناته والوصول لحل سياسي يجنب الاقليم هذا الاحتقان ويستنأنف العملية السياسية فيه بانطلاق صافرة تنفيذ الاتفاق الذي تأخر كثيرآ .

الحاكم نيوز وجهة جديدة في عالم الصحافة الرقمية المتطورة... سرعة اكتر مصداقية اكتر دقة وانتشار للخبر والإعلان ..™

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة + عشرين =

زر الذهاب إلى الأعلى