بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه أجمعين
الحمد لله الذي هيأ لنا هذا اللقاء في ثغر السودان الباسم، و وفق بعضكم من الإفلات من فك الحرب اللعينة المفروضة على البلاد بشق الأنفس بعد أن صار قاب قوسين أو أدنى من الهلاك. التحية و التجلة لكل شهداء الوطن و الرحمة و المغفرة لهم جميعًا و دعواتنا بعاجل الشفاء للجرحى و عودًا حميدًا عاجلًا للمفقودين و النازحين و اللاجئين و الحرية للأسرى. و دعواتنا الخالصة بانكشاف الغمة و عودة البلاد إلى حياة طبيعية آمنة مطمئنة
الأخوات و الإخوة الكرام:
ينعقد اجتماعنا التشاوري الموسع لقيادات الحركة اليوم و بلادنا العزيزة تمر بظرف استثنائي بالغ التعقيد، و شعبنا مشرد لم يفق بعد من هول الفاجعة التي ما كان له أن يتصور وقوعها بهذا الحجم من الدمار و الانتهاكات و في قلب عاصمته الجامعة لكل مكونات البلاد. و قد اتخدت الحركة موقف الحياد في القتال الدائر و لكن لا يمكن لها أن تكون محايدة في قضايا القيم و الأخلاق و حقوق الإنسان التي أقرتها كل الشرائع. لذا تدين الحركة بأغلظ العبارات الجرائم الفظيعة البشعة التي أرتكبت في المواطنين الأبرياء العزل من سفك للدماء، و هتك للأعراض، و سبي للحرائر، و سلب للأموال، و احتلال للمساكن و المرافق العامة، و تدمير للبنية التحتية، و غير ذلك من الفظائع التي ترقى إلى جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية. و لا يفوتني هنا أن أخص الشهيد خميس عبدالله أبكر والي ولاية غرب دارفور بالدعاء بالرحمة و إدانة اختطافه و اغتياله بالطريقة الهمجية التي تم به.
هذا الاجتماع ليس بمؤتمر عام، رغم أنه يجوز تسميته لغة إئتمارا. إنما هو تناد لقيادات الحركة في منعطف استثنائي للتفاكر حول ما تمر به البلاد و الحركة من تحولات لتقييم أدائها منذ التوقيع على اتفاق جوبا لسلام السودان و ما تم انجازه و ما أخفقنا في تنفيذه. و الخروج برؤية و توصيات تعيننا على إدارة دفة الأمور في هذا البحر المتلاطم الأمواج ، و للتواضع معًا على اصلاحات و خارطة طريق تعين الحركة على تبوء موقعها الطبيعي في خارطة البلاد السياسية و الاجتماعية.
الحفل الكريم:
عادت قيادات الحركة إلى الخرطوم في منتصف نوفمبر عام ٢٠٢٠ و وجدت نفسها في خضم صراع سياسي محتدم بين القوى المتحالفة لإدارة الفترة الانتقالية، حيث كانت الخلافات بين المكون العسكري و قوى الحرية و التغيير على أشدها. و استقر الرأي في الحركة على أن يتحمل بعضنا مسئوليات تنفيذية جسيمة في الحكومة الانتقالية. و قد اتاحت هذه المسئوليات للحركة فرصة لإثبات قدرتها على إدارة الشأن العام. إلا أن التفرغ للعمل العام كان خصمًا على الوقت و الجهد المتوقع بذله من هذه القيادات لصالح البناء التنظيمي. و هذا أمر متوقع لأنه ليس بالإمكان أكل الكعكة و الاحتفاظ بها في آن واحد. فما دمنا قد حققنا كسبًا في الساحة العامة، كان من المفترض أن تقوم مؤسساتنا التنظيمية بسد من حدث من فراغ. و هنا يتجلى الخلل المؤسسي الذي يحتاج منكم إلى علاج عاجل. استمر الخلاف بين مكونات الحكومة الانتقالية إلى أن بلغت حد تعطل كل مؤسسات اتخاذ القرار من مجلس تشريعي (الاجتماع المشترك بين مجلس السيادة و مجلس الوزراء) و مجلس الشركاء ، المجلس الأعلى للسلام و المجلس القومي للأمن و الدفاع. و أفضت هذه الأزمة في محصلتها إلى فض الشراكة بين المكون العسكري و قوى الحرية و التغيير في الخامس و العشرين من أكتوبر ٢٠٢١. و حينها كانت قوى الحرية و التغيير في حالة تنازع انقسام كبيرين بسبب نزوع البعض نحو احتكار القرار. كما لم تكن الحركات الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان موحدة في مواقفها بل اندغم بعضها في قوى الحرية و التغيير، و اتخذ بعضها موقفًا معارضًا لسعي قوى الحرية و التغيير لاحتكار القرار السياسي، و إقصاء الغالبية العظمى من الشعب السوداني و ترهيبه بلجنة التمكين. و لما كان قرار الحركة الوقوف في وجه جور قوى الحرية و التغيير، تم تصنيفها في صف المكون العسكري الذي اتخذ قرار فض الشراكة، رغم أن الحركة لم تكن طرفًا في الشراكة أو قرار فضها. لم يمض المكون العسكري في وحدته طويلًا في مواجهة إعصار معارضة قرار فض الشراكة الذي أسمته قوى الحرية و التغيير و من شايعها في الداخل و الخارج انقلابًا عسكريًا. فبدأت الشقة بين قيادات القوات المسلحة و قيادات الدعم السريع تتسع يومًا بعد يوم، و بدأت أشراط الصدام المسلح تلوح في الأفق بصورة لا تخطئها العين الفاحصة. و بذلت قيادة الحركة جهودًا مضنية للحيلولة دون وقوع الطامة فقد اتسع الرتق على الراتق و لم تكن باليد حيلة، و دخلت البلاد في المأساة التي تكابدها الآن.
في ظل هذه الأزمة السياسية المستفحلة المستمرة منذ التوقيع على اتفاق السلام و انحياز القوى الموقعة على اتفاق السلام إلى هذا الطرف هو ذاك بدلًا من أن تكون رمانة الميزان السياسي بالحفاظ على وحدتها ككتلة مستقلة كما دعت إلى ذلك، أعاقت تنفيذ اتفاق السلام بجانب عوامل أخرى مثل شح الموارد، و بطء القوات المسلحة في المضي في تنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية. و ترتب على ذلك تنفيذ جزء يسير من اتفاق السلام، يتمثل في المشاركة في السلطة التنفيذية على مستوى المركز و بعض الولايات، و تكوين آليات تنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية، و لم ينفذ شيء في العدالة الانتقالية، أو عودة اللاجئين و النازحين، و دمج القوات، و إعادة الاعمار، و غيرها من مطلوبات اتفاق السلام.
الحفل الكريم:
الصدام الذي حدث بين القوات المسلحة و قوات الدعم السريع في الخامس عشر من شهر إبريل ٢٠٢٣ كارثة وطنية بكل المقاييس، راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء، و تشرد جراؤها الملايين في الداخل و الخارج في ظروف غاية في القساوة على معظمهم. و مما زاد الأمر تعقيدًا، التدخل الخارجي السافر في شأننا الوطني الداخلي، إما بالمساهمة في اشتداد أوار الحرب أو بمحاولة فرض حلول مفصلة على مقاس أطراف بعينها، مع تجاهل كامل لرأي الغالبية العظمى من الشعب السوداني. و المؤكد ليس الحل في اتباع مناهج الإقصاء التي أفضت إلى الحرب أو البحث عنه عند الأجنبي، و لكن في ابتداع نهج يحقق وفاقًا وطنيا عريضًا و توافقًا على برنامج حد أدنى بين القوى السياسية و المدنية الفاعلة لاستكمال الفترة الانتقالية. و لتحقيق ذلك لا بد من:
١- وقف اطلاق النار وفق أسس واضحة و ملزمة تسمح بإخلاء منازل المواطنين و المرافق العامة من أي وجود مسلح، و ضمان حرية و سلامة عودة المواطنين و حركة قوافل الإغاثة.
٢- تكوين حكومة تصريف أعمال تعنى بالشأن التنفيذي، و تقديم الخدمات العامة الأساسية للمواطن إلى حين توافق القوى السياسية و المدنية على ترتيبات دستورية و سياسية تسمح بتكوين حكومة توافق وطني.
٣- الشروع في تنظيم حوار سوداني سوداني شامل و جامع عقب تحقيق وقف اطلاق النار الدائم، يختص بالترتيبات الدستورية لما تبقت من فترة انتقالية بما فيها أسس و معايير تشكيل الحكومة و شركائها بجانب برنامج حكومة الوفاق الوطني.
٤- الاتفاق على موقع القوات المسلحة في معادلة الحكم في الفترة الانتقالية.
٥- تحديد طول الفترة الانتقالية
٦- ضمان محاسبة الذين اقترفوا الجرائم الشنيعة في حق المواطنين السودانيين
الأخوات و الإخوة الكرام:
هناك جمهور عريض و على كل نطاق الوطن يتعاطف مع الحركة و طرحها، و لكن جهدنا تقاصر عن الوصول إليهم و تقديم رؤيتنا لمستقبل السودان و كيفية حكمه بطريقة مبسطة تسهل فهمها و هضمها للعامة. و بالتالي يجب التركيز في الفترة القادمة على الآتي:
١- التعجيل بتحول الحركة إلى حزب سياسي
إعادة كتابة رؤية تنظيمنا و برنامجه السياسي بصورة مبسطة
٢- بذل الجهد في البناء التنظيمي و تفعيله على مستوى القطر و في ديار المهجر
٣- العمل على استقطاب أكبر قدر من العضوية – بما فيها النوعية – و استيعابهم في المواعين التنظيمية و أنشطة الحزب
٤- الاهتمام بقوات الحركة و حاجياتها و ضمان دخولها في الترتيبات الأمنية بصورة ترضيها
٥- بذل المزيد من الجهد لتنفيذ اتفاق السلام و إعادة النازحين و اللاجئين إلى مواطنهم الأصلية معززين مكرمين مرفوعي الرأس
٦- التفكير في بناء تحالفات إستراتيجية قوية تعيننا على كسب الانتخابات القادمة
٧- العمل مع القوى السياسية و المدنية و القوات النظامية على تحقيق الأمن و الاستقرار في البلاد.
هذه بعض من التحديات التي تواجهها الحركة، و علينا آن نتهز هذه السانحة لنتداول فيها بأريحية تامة و نخلص إلى مخرجات تنير لنا الطريق في مقتبل الأيام.
وفقكم الله و أرجو لكم إقامة طيبة و حوارًا بناءً منتجًا
و السلام عليكم و رحمة الله