كان “جهاز المخابرات العامة” ضحية كبرى لمشروع الهيمنة الإماراتي على السودان عبر أدوات محلية، استغلت الآلة الإعلامية للعدو حالة الحنق الكبيرة في نفوس المعارضين السياسيين، الذين تعرضوا للاعتقال إبان عهد البشير، وهيئوا الملعب لتنفيذ مخططاً تآمرياً يستهدف مؤسسات الدولة لتركيعها والقضاء عليها، وإحلال مؤسسات أخرى صورية السيادة، عميلة المهام.
حاولت الإمارات عبر أدواتها المحلية حل “جهاز المخابرات العامة” والتخلص منه بدعاوى أن تكوينه الهيكيلي يضم عدداً مقدراً من الإسلاميين أو منسوبي نظام البشير، وهي بالطبع كلمة حق أريد بها باطلاً، تهدف إلى القضاء على مؤسسة وطنية أو إضعافها حتى تصبح عاجزة عن القيام بواجباتها ومهامها في الدفاع عن الأمن القومي السوداني.
بعد فشل مخطط حل جهاز المخابرات وإنشاء جهاز جديد تديره الإمارات، تم حل القوة العسكرية المدربة على حرب المدن “هيئة العمليات” وطرد منسوبيها والتشهير بهم، حتى دون سداد مستحقاتهم المالية، كل ذلك كانت خطوات حثيثة في سبيل الوصول إلى تدمير المخابرات.
اجتهد “حميدتي” في احتواء الجهاز بعد فشل مهمة القضاء عليه، لكن ضباط المخابرات المحترفين جعلوه يدور حول نفسه لأربع سنوات، كانوا يعملون في صمت لتدارك الكارثة، ومحاولة احتواء الموقف، بذلوا جهودا خرافية في القيام بمهمة الحفاظ على الأمن القومي، رغم تجاهل الدولة لكثير من المعلومات التي تأتي عبرهم، فالعقل الذي يدير البلاد وقتها تدميري.
خلال فترة الاستهداف والتنكيل ، احتوى جهاز المخابرات عدد كوارث كان بإمكانها أن تحرق السودان، وتمكنت قيادته المحترفة من تحييد الأمريكان، والتأكيد على أهمية دور المخابرات السودانية في مجالات مكافحة الإرهاب، حتى وصل التعاون المخابراتي الأمريكي السوداني إلى مراحل متقدمة.
احتمل رجال المخابرات الأذى والاستهداف المستمر لأربع سنوات، شرد معظمهم من وظائفهم، بعضهم أقيل بوشايات من عملاء تعرضوا للاعتقال في فترات سابقة، حرموا من مخصصاتهم الوظيفية، كبلت أياديهم، ولكنهم ظلوا يقومون بمهامهم على أكمل وجه وفي صمت.
رغم الهجمة الشرسة والإشاعات المغرضة التي كان يروج لها وكلاء المشروع الأجنبي، حول قيادات المخابرات، إلا أن الجهاز أعلن موقفه واضحاً بعد دقائق من اندلاع الحرب وقال في بيان له: “لا حياد في المعركة فإما مع الوطن وإما مع العدو”، ومنذ تلك اللحظة تداعى الآلاف من ضباط وضباط صف وجنود جهاز المخابرات العامة إلى ساحات القتال ضد التمرد.
بالأمس… كان مدير جهاز المخابرات العامة السودانية، الفريق “أحمد إبراهيم مفضل” يخاطب الاجتماع الوزاري للدول الإفريقية الأعضاء حول خطة العام 2024، وهو أحد أعضاء الوفد السوداني بنيويورك برئاسة “البرهان”، وهو تطور إيجابي يؤكد ان الصورة الذهنية لدى العالم حول المخابرات السودانية قد تحسنت كثيراً ، بل وتقدمت الى التعاون المشترك.
إذا لا يمكن إغفال الأدوار المهمة والأساسية لجهاز المخابرات العامة، فلا يمكن أن تكون هناك دولة بلا مخابرات وطنية لا تتهاون في الدفاع عن أمنها القومي، وهو ما نتطلع إليه في سودان ما بعد ١٥/ أبريل، مزيدا من الاهتمام بالأجهزة الاستخبارية، وضرورة تطويرها ومنحها مزيدا من الاحترافية.
محبتي واحترامي