همس الحروف* إتكاءة تحت ظل يوم المعلم من الولاية الشمالية *✍️ الباقر عبد القيوم علي

☘️?☘️

*

اللغة العربية بكل ذخائرها و نفائسها و بحرها المتلاطم الأمواج من المفردات و الكلمات التي يفوق عددها غير المتكررة ال 12.5 مليون مفردة ، و بهذا الكم الهائل من مخزونها تقف عاجزة في وصف مدلول الكلام عن المعلمين ، فنجد أن الكلمات تكون شبه خاوية و جوفاء من محتواها و لا تستطيع تجسيد الأحاسيس المفعمة بالحب في جق هؤلاء العظماء ، فقد لا نجد ما يتناسب و عطائهم من التعابير التي تفي حقهم ، فإنهم بلا شك مصابيح للدجى و أنوار تهدى إلى الفضائل ، فهم الذين بددوا دياجير الجهل و بثوا أنوار العلم و المعرفة بكل سخاء ، و لم يدخروا لأنفسهم قط علماً و بخلوا به على غيرهم ، لقد تفانوا و تباروا في تمليك كل ما يعرفون لطلابهم بسخاء حاتمي أصيل ، لم يتعللوا يوماً ما بتعب أو إنهاك ، فكلما مضي يوماً من رسالتهم يأتون في اليوم الذي يليه بحماس و شوق متجدد أشد من الذي سبقه لأجل الإرتقاء بمسيرة التربية التعليم ، فإنهم حقاً ملائكة رحمة بلا منازع .

أتى اليوم العالمي للمعلم في هذا العام و معلمي السودان في أشد حالات معاناتهم بسبب الحرب اللعينة علاوة على حرمانهم من معاشاتهم منذ شهر أبريل ، و التي راح ضحيتها في سبيل الله ثم الوطن أميز رجال السودان من الجيش و الشعب ، و قد شردت الملايين من ديارهم ، و لكن على الرغم من ذلك نجد أن معلمي بلادي على إمتداد السودان تميزوا من غيرهم ، و ذلك لأنهم أهل للعطاء و خبرة في التجرد و لا ينتظرون شيئاً مقابل ما ينفقون من عظيم أعمارهم ، فهكذا تربوا منذ إلتحاقهم بمهنة العطاء ، و لهذا نجدهم قد فتحوا قلوبهم بكل حب للفارين من الحرب قبل أن يفتحوا إليهم بيوتهم ، و مدرارسهم ، و إستراحاتهم ، و إقتسموا لقمتهم مع من وصلهم من الناجين .

يقول الامام الشافعي جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ · وَإنْ كانت تُغصّصُنِي بِرِيقِي · وَمَا شُكْرِي لهَا حمْداً وَلَكِن · عرفتُ بها عدوّي من صديقي ، و لهذا نجد في مثل هذه الأزمات يتجلى فيها العظماء و تظهر عندها معادن الرجال على حقيقتها بدون مساحيق تجمل وجوههم ، و قد بان عندها الفرق بين الذهب و الحديد و القادة و المدراء ، و لابد لنا أن نقف عند بعض هذه الحالات حتى يتعرف الناس عن نفائس المعادن البشرية و المناقب التي تزين هؤلاء العظماء على إمتداد السودان ، فما زال رحم حواء السودان أخضراً ، و دائماً مثل هذه اللوحات الرائعة تتكرر في معظم ولايات السودان المختلفة . إلا أننا نريد أن نلقي في مناسبة يوم المعلم قليل من الضوء على المعلم الأول بالولاية الشمالية الأستاذ سيف الدين محمد عوض الله وزير التربية و التوجيه ، ذلك الرجل الإنسان المثالي الذي كان من رحم هذه المؤسسة العظيمة ، الذي لم يأتي إليها عن طريق المحاصصات أو الطرق الملتوية المعروفة ، فوصل إلى هذا الكرسي وفق التراتبية الهرمية التي تراكمت عندها الخبرة و نسجت خوطها مع المعرفة عبر سنين خدمته الطويلة ، و منذ ان تولى هذه الوزارة فهو في سعي دؤوب من أجل التطوير و مازال ، وكما زال شيطان الحالة السودانية العامة التي يعرفها الجميع يقف حاجزاً أمام تقدم أي مؤسسة عامة ، إلى ان أتت هذه الأزمة و حتى تاريخ هذه اللحظة لم يهدأ لهذا الرجل بال ، فظل يعمل في ظروف صعبة و بإمكانيات مادية صفرية و رغم ذلك فهو يحاول إنفاذ ما بمكن إنفاذه من الممكن و بعض من المستحيل من اجل إستمرار مسيرة التعليم في جو صحي نقي .

عند بداية هذه الأزمة كان رأي اللجنة الأمنية بالولاية أن يتم إغلاق المدارس تحوطاً و تحسباً لأي طاريء قد يحدث ، إلا أن هذا الرجل المتواضع الصامت الذي لا يتحدث إلا في ما يخصه و لا يتدخل أبداً في أمور الآخرين أصر على الإستمرار في مسيرة التعليم من أجل تكملة المقررات ، و يأتي هذا من واقع ثقته في كوكبة المعلمين الذين يقودهم ، و المعروف عنهم بالتجرد و الإخلاص لخدمة البلاد و العباد فلم يخذلوه أبدا فهم عبارة عن شعلة من الهمة و الوفاء ، فأبحر بهم بمهنية عالية و هو يقود سفينته وسط أمواج عاتية كانت تعترض مسيرته حتى أكمل كل المقررات ، مسوعباً معه في هذه المسيرة كل أبنائه الطلاب الذين وصلوا إلى الولاية من الخرطوم ، و قد قام بتذليل كل العوائق التي واجهتهم بإحترافية متناهية نالت رضى أولياء أمورهم ، و لكن ما يجب تسليط الضوء عليه هو ما يتميز به هذا الرجل من تواضع جم و حلم ضخم يتفرد به عن الآخرين .

في وقت سابق كتبت مقالاً عن الرجل يتعلق بأحد قراراته التي إختصت بتكليف لجنة بشأن إخلاء إحدى إستراحات المعلم بالولاية في مدينة دنقلا بغرض الصيانة ، و على الرغم من أنني كتبت و اغلظت عليه من واقع عاطفي مشبوب تجاه قضية النازحين من الخرطوم ، إلا أن الرجل يعتبر مربي عظيم و قد تربى على عوالي القيم و جميل الخلق ، وقد تناول هذا الأمر بقالب من الحلم ، فلم يكن إنفعالياً و لم يتعاطى معه بردود الافعال ، و هذا السلوك يعتبر أعلى درجات الثقة بالنفس ، و يؤكد حرص الرجل على كل تنبيه يخدم المصلحة العامة ، و هذا ليس غريباً عليه لأنه قائداً لتلك الوزارة المعنية بالتربية في المقام الأول ، فكظم غيظه و كان من العافين عن الناس ليحجز لنفسه بعوالي أخلاقه أعلى منابر النور في الجنان ، و ليعلمنا بالفعل لا بالقول القيادة غن و لها أصول ، فأسرع بالذهاب إلى تلك الإستراحة و جلس مع ساكنيها و طمأنهم بأن الأمر فقط من أجل الصيانة و أوجد لهم بديلاً للسكن إلى حين الإنتهاء من الترتيبات و إحتفظ لكل منهم بمكانه القديم فيها .

و لهذا نقول له شكراً جزيلاً جميلاً يليق به و هو قائد ركب التعليم و المعلمين بالولاية الشمالية حضرة الأستاذ سيف الدين محمد عوض الله وزير التربية و التوجيه على إستجابته الفورية لهذه القضية التي شغلت الناس ، و الشكر يمتد لكل معلمي الولاية الذين كرسوا جل أوقاتهم حتى انحنت ظهورهم من الوقوف و ضعفت أبصارهم من التدقيق و التصحيح و بح صوتهم من التكرار حتى تصل رسالتهم كاملة غير منقوصة لطلابهم ، و إتحرقت لذلك أعصابهم ، فهم كالشموع يحترقون من أجل إنارة الدروب للآخرين ، جزاهم الله عنا كل خير و الشكر عبرهم يمتد إلى جميع أصحاب الأقلام الحمراء على إمتداد السودان العريض فهم حقاً مصابيح دجى و منابر هدى حفظهم الله و رعاهم و سدد خطاهم .

الحاكم نيوز وجهة جديدة في عالم الصحافة الرقمية المتطورة... سرعة اكتر مصداقية اكتر دقة وانتشار للخبر والإعلان ..™

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى