
ما زالت قوى الحرية والتغيير (قحت) تتشكل كالحرباء، تغير لونها حسب لون المكان الذي تقف عليه ، في محاولة مستمرة لإعادة تقديم نفسها بواجهات جديدة وشعارات مختلفة ، ومن هذا المنطلق ، أنشأت كياناً باسم (صمود) ، ثم إنبثق منه لاحقاً كيان آخر يحمل اسم (تأسيس) ، في خطوة تهدف إلى تبييض الصورة الذهنية المرعبة التي تلطخ بها اسم قحت في الخرطوم قبل اندلاع الحرب ، فأعلنت عن نفسها من مدينة نيالا بأنها شكلت حكومة أسمتها (حكومة السلام) ، وجعلت من قائد المليشيا (حميدتي) رئيساً لها ، ومن محمد حسن التعايشي رئيساً لوزرائها ، وقدمت نفسها لشعب نيالا على أساس أنها جاءت لتحقيق رفاهية المواطن السوداني في جميع أرجائه ، وإنهاء معاناته ، ولكنها في الواقع الميداني والسياسي أظهرت تناقضاً صارخاً بين ما ترفعه من شعارات ، وما تقوم به فعلياً على أرض الواقع .
فمنذ إعلانها سعت لتلميع صورتها في الإعلام الإقليمي والغربي ، وبذلت جهداً دبلوماسياً كبيراً لإقناع بعض العواصم بأنها البديل (المدني) القادر على تحقيق السلام و العدالة والرفاهية .
أحدث حلقات هذا التناقض هو محاولتهم الجادة لتعطيل مطار الخرطوم بعد إعلان هيئة الطيران المدني إعادة تشغيله ، والذي يُعد الشريان الحيوي الوحيد للمواطن السوداني في عاصمة البلاد ، فهم يعلمون تمام العلم أن المطار ليس منشأة عسكرية ، ولا يرتبط تشغيله بأي مصلحة حرب ، وهو منفذ خدمي يقدم خدماته لملايين السودانيين الذين إدعت تأسيس أنها اتت لتحقيق الرفاهية لهم ، وهذه الخطوة لم تكن سوى دليل على بطلان إدعائهم .. فما هم إلا عصابة أتت ليتدمير ما تبقى من مصالح الشعب السوداني الحيوية .
السؤال الذي يطرحه الشعب السوداني الآن : من يريد هؤلاء أن يحكموا ؟ .. وكيف يمكن لحكومة تدّعي أنها جاءت لبناء دولة جديدة أن تدمر ما تبقى من مؤسساتها ؟ .. وكيف يمكن لمن يُعلن أنه ضد الحرب أن يواصل قصف المرافق المدنية ويزرع الفوضى في عاصمة البلاد ؟ ، فالجواب واضح جداً : فالمشروع الذي أتوا به ليس مشروع دولة ، فهنالك فرق شاسع بين الدولة والسلطة ، فهؤلا هم مشروع سلطة تقوم على القوة والمال والسلاح ، وإنهم لا يسعون لحكم السودان بمؤسسات مدنية كما يدعون ، فهم يخططون لفرض واقع عسكري مليشي يكرس نفوذ قادة المليشيا .
من المثير للانتباه أنّ الأصوات التي رفعت شعار (لا للحرب) في توقيت معين كانت غائبة تماماً عند المشهد عندما كانت المليشيا تسيطر على الأعيان المدنية و الخدمية بالخرطوم وعندما إحتلت الجزيرة وسنجة ومارست الانتهاكات ، ولكن حينما بدأت القوات المسلحة السودانية في استعادة مواقعها وتحرير المدن المغتصبة ، إرتفعت فجأة نبرة (لا للحرب) ، وكأن الهدف الحقيقي من الشعار لم يكن إيقاف القتال ، فمقصدهم فقط هو إيقاف تقدم الجيش ، فهذه الازدواجية توضح حقيقة الموقف ، وتكشف أن الشعار يُستخدم كأداة سياسية لتعطيل تقدم الجيش ، وليس كدعوة مبدئية وحقيقية للسلام .
ما لا يعلمه هؤلاء ان الشعب السوداني اليوم أكثر وعياً من أي وقت مضى ، فتجربة الحرب بكل آلامها ، جعلت الناس يرون بعيونهم حقيقة المؤامرة ، رأوا من يزرع الموت والدمار باسم (الحرية) و(السلام) ، ومن يدافع عن بقاء الدولة وإستمرار مؤسساتها ،
ولذلك فإن محاولات حكومة تأسيس لتضليل الرأي العام لم تعد تنطلي على أحد ، لأن الشعب أصبح شاهد عيان على كل ما يجري ، ولن يسمح بتكرار المأساة باسم هذه الشعارات الجوفاء أبداً .
فمن يريد أن يحكم السودان حقاً فلا يبدأ بتدمير ما تبقّى منه ، وحتى لو جلست الحكومة السودانية على طاولة تفاوض مع من جثموا على خيرات الوطن ودمروه ، وإغتصبوا حرائره ، وحتى لو ضغطت عليه أُمم أو قوى دولية فاضطرت الحكومة إلى قبول هذه العصابة ، فلن يسمح الشعب السوداني بدخولهم عبر اي منفذ من منافذ هذه الأرض الطاهرة ، أو حتى القبول بهم .
الشعب هو الحاكم الحقيقي لذاته ، وهو الذي يختار من يمثله ويحمي أرضه وكرامته ، ولا يمكن لأي سلطة أو قوة أن تفرض عليه حكماً لا يريده أو تُكسر من إرادته بالقهر ، ولن تُباع خيارات هذه الأمة ، ولن تستطيع أن تُفصل هويتها بمنصة تفاوض ، أو بتوقيع على ورق ، وأن إرادة هذا الشعب ستبقى الحاجز الأول والأخير أمام من يحاولون فرض أي أمر واقع لا يحترم حقه في تقرير مستقبله و الماء يكذب الغطاس ، ومن يريد أن يجرب فعليه أن يفعل .
نصر من الله و فتح قريب و بشر






