همس الحروف* *المملكة العربية السعودية في قلب الحل السوداني من واقع دبلوماسية فاعلة و جهود إنسانية متواصلة* ✍️ *د. الباقر عبد القيوم علي*

☘️🌹☘️

*

حين تتحدث السياسة بلغة الضمير ، و تكتب الدبلوماسية حروفها بمداد الحكمة و الرؤية العميقة ، يظهر على مسرح الأحداث ما يمكن وصفه بالحدث المفصلي ، والمفتاح الماسي الذي قد يغلق باب الحرب ، و يفتح أبواب السلام و الإستقرار ، هذا ما تجلى في مبادرة جدة ، تلك المبادرة التي حملت التوقيع السعودي في عمقها ، و التاريخ في روحها ، و العروبة في ملامحها ، و الإنسانية في جوهرها .

بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد) العزيز ، و سمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان .. أيدهما الله ، كانت المملكة العربية السعودية أول من سجلت إسمها في مشروع حل الأزمة السودانية ، و أتى ذلك من وعيها الاستثنائي بخطورة المسار الذي يجرّ السودان إلى فوضى الدم والدمار ، وأدركت أن سلام السودان ليس شأناً محلياً فحسب ، بل أمن قومي عربي و إقليمي ، يلامس شواطئ البحر الأحمر ، ويهمس في وجدان كل عربي و مسلم .

فكانت توجيهات القيادة السعودية حاسمة في هذا الشأن ، لا تقبل التراخي ، و كما لم تتردد ، فتم التحرك على الأرض ، بهدوء العارفين ، و حكمة المجربين ، فتجلت عند تلك اللحظات بصمة القيادة ، وعبقرية المبادرة ، التي سعت في إيجاد حل سياسي يجنب السودان الدمار ، و الفوضى ، و التخريب ، فلم تكن مبادرة جدة مجرد منصة حوار ، بل كانت مختبراً أخلاقياً ، و سياسياً ، لصناعة السلام إذا توفرت الإرادة أنذاك .

و في هذا المنعطف ، لعبت وزارة الخارجية السعودية دوراً ناصعاً في توجيه البوصلة ، بقيادة وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان ، الذي كان حاضر القلب و العقل في تفاصيل المبادرة ، وبدبلوماسيته المتزنة وقوة حجته ، حافظ على حياد راقٍ ، منح السعودية احترام الجميع .

و قد حفظ التاريخ للسعودية أنها حين تبادر ، ترسل من هم على قدر الفكرة ، فيبرز في الأواسط الدبلوماسية إسم السفير علي بن حسن جعفر ، سفير الإنسانية الذي يستحق أن يُلقب بـ (مهندس المرحلة) ، فلم يكن حضوره دبلوماسياً عادياً ، بل كان قائداً ميدانياً لجميع العمليات السياسية و الإنسانية بكل أبعادها ، و كان ذلك من واقع خبرة عميقة ، فقد إستطاع مستنداً عليها أن يحرك مفاتيح النفوس قبل ملفات السياسة ، فأسهم في صناعة نقطة ضوء في نفقٍ طويل .

مبادرة جدة لم تكن فعلاً معزولاً ، بل كانت امتداداً لعقيدة أمنية ، و إستراتيجية سعودية ، تنظر إلى أستقرار منطقة القرن الإفريقي و البحر الأحمر باعتبارهما مجالاً حيوياً ينبغي حمايته ، بنشر ثقافة السلام ، والحوار ، و الدعم السياسي ، و من هنا ، فإن ما قامت به المملكة لا يمكن فصله عن رؤيتها الأشمل في الحفاظ على أمن المنطقة واستقرار شعوبها ، باعتبار أن السودان يشكل إحدى بوابات الاستقرار ، أو الانفجار في هذا الحيز الجغرافي بالغ الحساسية .

ما يُدهش المتأمل ، فإن المملكة لم تكتف بالبعد السياسي فقط ، بل تزامن معها جهد إنساني متدفق ، حيث عملت المملكة عبر مركز الملك سلمان للإغاثة و الأعمال الإنسانية ، على مد يد العون للنازحين و اللاجئين ، وقدمت المساعدات بكرم يُشبه معدنها ، كما لم تغفل عن الثقافة و الفن كقنوات للتواصل .

و قد تجلّى ذلك في فعالية (انسجام عالمي) التي أقيمت في الرياض ، بتنظيم من وزارة الإعلام السعودية ، و بالشراكة مع هيئة الترفيه ، فشارك الفنانون السودانيون و اهل الثقافة في هذا الكرنفال الضخم ، و قد عبّرت الفعالية عن التلاحم الثقافي السعودي السوداني ، في رسالة أن السودان في عيون المملكة ، ليس مجرد ملف سياسي ، بل هو وجدان أخوي ، و تاريخ مشترك .

هكذا كانت المملكة تنظر بعين بعيدة و فاحصة الى قضية السودان ، فأتت مبادرة جدة ، و كانت مفتاحاً من ذهب في أقفال الحرب ، ومشعلاً في عتمة الاحتراب ، و قصة فريدة من قصص الدبلوماسية السعودية التي تعرف متى تتكلم ، ومتى تصمت ، و متى تضغط ومتى تُلهم .

و يأتي في إطار التزام المملكة الثابت بدعم السودان الشقيق في مرحلة ما بعد الحرب ، و انطلاقاً من دورها الريادي في تعزيز الاستقرار و التنمية في المنطقة ، فقامت بإيفاد وفد رفيع المستوى إلى العاصمة الإدارية بورتسودان ، وذلك بتوجيهات كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ، و جاءت هذه الزيارة ضمن مشروع شامل لإعادة إعمار السودان ، حيث عمل الوفد على تقييم الاحتياجات الملحة و تحديد أولويات المشاريع التنموية في مجالات البنية التحتية ، و الصحة ، و التعليم ، و المياه ، وغيرها من القطاعات الحيوية الأخرى ، و قد لاقت هذه المبادرة السعودية ترحيباً واسعاً من الحكومة السودانية ، التي ثمنت هذا الدعم الأخوي واعتبرته امتداداً لعلاقات تاريخية راسخة ، وموقفاً نبيلاً يعكس عمق الروابط بين الشعبين .

و في ميدان آخر من ميادين السمو الإنساني ، و النبل الأخلاقي ، فقد وقفت المملكة العربية السعودية موقفاً مشرفاً إلى جانب أبناء الشعب السوداني في محنتهم ، ففتحت أبوابها و قلوبها لهم ، دون أن تقف عند حدود القوانين و الإقامات. فإحتضنتهم أرضها الطيبة ، وسهّلت لهم الدخول ، و الإقامة ، وتغاضت عن المدد القانونية لهم ، إدراكاً منها لحجم المعاناة التي يعيشها الشعب السوداني بسبب الحرب ، و لم يكن ذلك تهاوناً منها بنظامها ، بل كان تجسيداً حياً لمعاني الرحمة و الإنسانية ، فمددت للسودانيين على أرضها الزيارات مراراً وتكراراً ، دون أن تحرم أحداً من البقاء الآمن ، لتكون المملكة بحق و حقيقة وطناً ثانياً لكل من إحتمى بها .

و في مضمار سيادة السودان وقفت المملكة موقف حاسم يجسد حرصها على وحدتة واستقراره ، و كانت السعودية أول دولة تعلن رفضها القاطع لمشروع إقامة حكومة موازية ، مؤكدة أن مثل هذه الخطوات من شأنها تعميق الانقسام وتهديد مسار الحل السياسي ، وقد عبرت بوضوح عن دعمها الكامل لمؤسسات الدولة السودانية الشرعية ، ودعت إلى وحدة الصف من أجل مستقبل السودان ، وقد تبع هذا الموقف السعودي المبدئي كل من بريطانيا و مصر وعدد من الدول الأخرى ، التي رأت في موقف المملكة مرجعية عقلانية ومسؤولة للحفاظ على أمن السودان وسيادته ، وتجنيبه مزيداً من الفوضى و الانقسام .

و قد كتب التاريخ أن المملكة العربية السعودية لم تكن متفرجاً على نزيف السودان ، بل كانت فاعلاً مركزياً ، و ضميراً حياً ، و عقلاً نيراً ، يستحق أن يخلد في سجلات السلام ، وأن يجب يُحفظ لها الفضل في كل ما قدمته ، و ما زالت قائمة عليه من مساعدات في الملف السياسي و الإنساني و الثقافي ، و في ملف إعادة الإعمار .

و الله من وراء القصد و هو الهادي إلى سواء السبيل

الحاكم نيوز وجهة جديدة في عالم الصحافة الرقمية المتطورة... سرعة اكتر مصداقية اكتر دقة وانتشار للخبر والإعلان ..™

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 + ثلاثة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى